للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَرَسَتْ: "اقْتَسِمَا، وتَوَخَّيَا الحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ تَحَالَّا". رَوَاه أبو دَاوُدَ (٣٣). ولأنَّه إسْقَاطٌ، فصَحَّ في المَجْهُولِ، كالعَتَاقِ والطَّلَاقِ، وكما لو قال: من دِرْهَمٍ إلى ألْفٍ. ولأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إلى تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ، ولا سَبِيلَ إلى العِلْمِ بما فيها، فلو وَقَفَ صِحَّةَ البَرَاءةِ على العِلْمِ، لَكان سَدًّا لِبَابِ عَفْوِ الإِنْسانِ عن أخِيهِ المُسْلِم، وتَبْرِئَةِ ذِمَّتِه، فلم يَجُزْ ذلك، كالمَنْعِ من العِتْقِ. وأمَّا إن كان مَنْ عليه الحَقُّ يَعْلَمُه، ويَكْتُمُه المُسْتَحِقَّ، خَوْفًا من أنَّه إذا عَلِمَه لم يَسْمَحْ بإبْرَائِه منه، فيَنْبَغِى أن لا تَصِحَّ البَرَاءَةُ فيه؛ لأنَّ فيه تَغْرِيرًا بالمُشْتَرِى، وقد أمْكَنَ التَّحَرُّزُ منه. وقال أصْحَابُنا: لو أبْرَأهُ من مائةٍ، وهو يَعْتقِدُ أنَّه لا شىءَ له عليه، وكان له عليه مائةٌ، ففى صِحَّةِ البَرَاءةِ وَجْهَانِ؛ أحدُهما، صِحَّتُها؛ لأنَّها صادَفَتْ مِلْكَه، فأسْقَطَتْه، كما لو عَلِمَها. والثاني، لا تَصِحُّ؛ لأنَّه أبرَأهُ ممَّا لا يَعْتَقِدُ أنَّه عليه، فلم يكُنْ ذلك إبْراءً في الحَقِيقَةِ، وأصْلُ الوَجْهَيْنِ ما لو باعَ مالًا كان لِمَوْرُوثِه، يَعْتَقِدُ أنَّه باقٍ لِمُوَرِّثِه، وكان مُوَرِّثُه قد ماتَ، وانْتَقَلَ مِلْكُه إليه، فهل يَصِحُّ؟ فيه وَجْهانِ. ولِلشّافِعيِّ قَوْلَانِ في البَيْعِ، وفي صِحَّةِ الإِبْرَاءِ وَجْهَانِ.

٩٣٣ - مسألة؛ قال: (ويَقْبِضُ لِلطِّفلِ أبُوهُ، أوْ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ (١)، أو الْحَاكِمُ، أو أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ)

وجملةُ ذلك أنَّ الطِّفْلَ لا يَصِحُّ قَبْضُه لِنَفْسِه، ولا قَبُولُه؛ لأنَّه ليس من أهْلِ التَّصَرُّفِ، وَوَلِيُّه يَقُومُ مَقَامَهُ في ذلك؛ فإن كان له أبٌ أمِينٌ فهو وَلِيُّه؛ لأنَّه أشْفَقُ عليه، وأقْرَبُ إليه، وإن ماتَ أبوه الأمِينُ، وله وَصِىٌّ، فوَلِيُّه وَصِيُّه؛ لأنَّ الأبَ أقَامَه مُقَامَ نَفْسِه، فجَرَى مَجْرَى وَكِيلِه. وإن كان الأبُ غيرَ مَأْمُونٍ، لِفِسْقٍ أو جُنُونٍ، أو ماتَ عن غير وَصِىٍّ، فأمِينُه الحاكِمُ، ولا يَلِى مالَه غيرُ هؤلاءِ الثَّلَاثةِ، وأمِينُ الحاكِمِ يَقُومُ


(٣٣) تقدم تخريجه في: ٦/ ٢٦٥.
(١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>