للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقَامَه، وكذلك وَكِيلُ الأبِ والوَصِىُّ، فيَقُومُ كلُّ واحدٍ منهم مَقَامَ الصَّبِيِّ في القَبُولِ والقَبْضِ إن احْتِيجَ إليه؛ لأنَّ ذلك قَبُولٌ لما لِلصَّبِىِّ فيه حَظٌّ، فكان إلى الوَلِىِّ، كالَبيْعِ والشِّرَاءِ. ولا يَصِحُّ القَبْضُ والقَبُولُ من غيرِ هؤلاءِ. [فإنَّ أحمدَ قال] (٢)، في رِوَايةِ صالحٍ، في صَبِىٍّ وُهِبَتْ له هِبَةٌ، أو تُصُدِّقَ عليه بِصَدَقةٍ، فقَبَضَتِ الأُمُّ ذلك وأبُوه حاضِرٌ، فقال: لا أعْرِفُ لِلأُمِّ قَبْضًا، ولا يكون إلَّا لِلأَبِ. وقال عُثْمانُ، رَضِىَ اللَّه عنه: أحَقُّ من يَحُوزُ (٣) على الصَّبِىِّ أبُوه. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ، ولا أعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّ القَبْضَ إنَّما يكونُ من المُتَّهِبِ أو نائِبِه، والوَالِى (٤) نائِبٌ بالشَّرْعِ، فصَحَّ قَبْضُه له، أمَّا غيرُه فلا نِيَابَةَ له. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ القَبْضُ والقَبُولُ من غيرِهم عند عَدَمِهِم؛ لأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إلى ذلك، فإنَّ الصَّبِىَّ قد يكونُ في مكانٍ لا حاكِمَ فيه، وليس له أبٌ ولا وَصِىٌّ، ويكون فَقِيرًا لا غِنَى به عن الصَّدَقاتِ، فإن لم يَصِحَّ قَبْضُ غيرِهم له، انْسَدَّ بابُ وُصُولِها إليه، فيَضِيعُ ويَهْلَكُ، ومُرَاعاةُ حِفْظِه عن الهَلَاكِ أَوْلَى من مُرَاعاةِ الوِلَايةِ. فعلى هذا، للأُمِّ القَبْضُ له، وكلُّ مَن يَلِيه من أقَارِبِه وغيرِهم. وإن كان الصَّبِىُّ مُمَيِّزًا، فحُكْمُه حُكْمُ الطِّفْلِ، في قِيَامِ وَلِيِّه مَقَامَه، لأنَّ الوِلَايةَ لَا تَزُولُ عنه قبلَ البُلُوغِ، إلَّا أَنّه (٥) إذا قَبِلَ لِنَفْسِه، وقَبَضَ لها، صَحَّ؛ لأنَّه من أهْلِ التَّصَرُّفِ، فإنَّه يَصِحُّ بَيْعُه وشِرَاؤُه بإذْنِ الوَلِىِّ، فههُنا أَوْلَى. ولا يَحْتاجُ إلى إذْنِ الوَلِىِّ ههُنا؛ لأنَّه مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، ولا ضَرَرَ فيه، فصَحَّ من غير إذْنِ وَلِيِّه، كوَصِيَّتِه، وكَسْبِ المُبَاحَاتِ. ويَحْتَمِلُ أن يَقِفَ صِحَّةُ القَبْضِ منه على إذْنِ وَلِيِّه دُونَ القَبُولِ؛ لأنَّ القَبْضَ يَحْصُلُ به مُستَوْلِيًا على المالِ، فلا يُؤْمَنُ تَضْيِيعُه له وتَفْرِيطُه فيه، فيَتَعَيَّن حِفْظُه عن ذلك بِوَقْفِه على إذْنِ وَلِيِّه، كَقَبْضِه لِوَدِيعَتِه. وأمَّا القَبُولُ، فيَحْصُلُ له به المِلْكُ من غير ضَرَرٍ، فجازَ من غير إذنٍ، كاحْتِشَاشِه واصْطِيَادِه.


(٢) في م: "قال أحمد".
(٣) في النسخ: "يجوز".
(٤) في م: "والولى".
(٥) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>