للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، أنَّه قال: كَفِّنُونِى في ثَوْبَىَّ هذَيْنِ، فإنَّ الحَىَّ أَحْوَجُ إلى الجَدِيدِ من المَيِّتِ، وإنَّما هما (٥) لِلْمهْلَةِ (٦) والتُّرَابِ (٧). وذَهَبَ ابنُ عَقِيلٍ إلى أن التَّكْفِينَ في الخَلِيعِ (٨) أوْلَى لهذا الخَبَرِ. والأوَّلُ أَوْلَى، لِدَلَالَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفِعْلِ أصْحابِه به (٩) عليه.

فصل: ويَجِبُ كَفْنُ المَيِّتِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ به، ولأنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ في الحياةِ، فكذلك بعدَ المَوْت. ويكونُ ذلك من رَأْسِ مالِهِ مُقَدَّمًا على الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ والمِيرَاثِ؛ لأنَّ حَمْزَةَ ومُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ، رَضِىَ اللَّه عنهما، لم يُوجَدْ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهما إلَّا ثَوْبٌ، فكُفِّنَ فيه، ولأنَّ لِبَاسَ المُفْلِسِ مُقَدَّمٌ على قَضاءِ دَيْنِه، فكذلك كَفَنُ المَيِّتِ. ولا يَنْتَقِلُ إلى الوَارِثِ مِن مالِ المَيِّتِ إلَّا ما فَضَلَ عن حَاجَتِهِ الأصْلِيَّةِ، وكذلك مَؤُونَةُ دَفْنِه وتَجْهِيزِه، وما لا بُدَّ لِلْمَيِّتِ منه، فأمَّا الحَنُوطُ والطِّيبُ، فليس بِوَاجِبٍ. ذَكَرَهُ أبو عبدِ اللهِ بنُ حامِدٍ. ولأنَّه لا يَجبُ في الحَياةِ، فكذلك بعدَ المَوْتِ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أنَّه وَاجِبٌ؛ لأنَّه ممَّا جَرَتِ العادةُ به. وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّ العادةَ جَرَتْ بِتَحْسِينِ الكَفَنِ، وليس بِوَاجِبٍ.

فصل: وكَفَنُ المَرْأَةِ ومَؤُونَةُ دَفْنِها من مَالِها إنْ كان لها مَالٌ. وهذا قَوْلُ الشَّعْبِىِّ، وأبى حنيفةَ، وبعضِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ. وقال بَعْضُهم: يَجِبُ على الزَّوْجِ. واخْتَلَفُوا عن مالِكٍ فيه. واحْتَجُّوا بأنَّ كُسْوَتَها ونَفَقَتَها وَاجِبَةٌ عليه فوَجَبَ


(٥) في أ، م: "هو".
(٦) في أ، م: "للمهنة". والمهلة بتثليث الميم: هي الصديد والقيح الذي يذوب فيسيل من الجسد.
(٧) أخرجه البخاري، في: باب موت يوم الاثنين، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري ٢/ ١٢٧. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في كفن الميت، من كتاب الجنائز. الموطأ ١/ ٢٢٤.
(٨) أي الثوب المخلوع بعد لبسه.
(٩) سقط من: أ، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>