للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ له، ولأنَّ الوَاجِبَ تَمْلِيكُ المِسْكِينِ طَعَامَهُ، والإطْعامُ إباحَةٌ، وليس بِتَمْلِيكٍ. فعلَى هذه الرِّوايَةِ؛ إنْ أفْرَدَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قَدْرَ الوَاجِبِ له، فأطْعَمَهُ إيَّاهُ، نَظَرْتَ؛ فإنْ قال (٨): هذا لك تَتَصَرَّفُ فيه كَيْفَ شِئْتَ. أجْزَأَهُ؛ لأنَّه قد مَلَّكَهُ إيَّاهُ. وإن لم يَقُلْ له شَيْئًا، احْتَمَلَ أنْ يُجْزِئَهُ؛ لأنَّه قد أطْعَمَهُ ما يَجِبُ له، فأشْبَهَ ما لو مَلَّكَهُ إيَّاهُ (٩)، واحْتَمَلَ أنْ لا يُجْزِئَهُ؛ لأنَّه لم يُمَلِّكْهُ إيَّاهُ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ، يُجْزِئُه أن يَجْمَعَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فيُطْعِمَهم. قال أبو دَاوُدَ: سمعتُ أحمدَ يُسْأَلُ عن امْرَأةٍ أفْطَرَتْ رمضانَ، ثم أَدرَكَها رمضانُ آخَرُ، ثم مَاتَتْ. قال: كم أفْطَرَتْ؟ قال: ثلاثِينَ يَوْمًا. قال: فاجْمَعْ ثلاثِينَ مِسْكِينًا، وأطْعِمْهم مَرَّةً وَاحِدَةً، وأشْبِعْهم. وذلك لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لِلْمُجَامِعِ: "أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا" (١٠). وهذا قد أطْعَمَهم، وقال اللهُ تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (١١). وقال فى كَفَّارَةِ اليَمِينِ: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (١٢). وهذا قد أطْعَمَهُم. وَرُوِىَ عن أنَسٍ، أنَّه أفْطَرَ فى رمضانَ، فجَمَعَ المَسَاكِينَ، ووَضَعَ جِفَانًا، فأطْعَمَهم. ولأنَّه أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَأجْزَأهُ، كما لو مَلَّكَهُ إيَّاه. فعلَى هذه الرِّوَايَةِ، إن أطْعَمَهم قَدْرَ الوَاجِبِ لهم أجْزَأَهُ، وإنْ أطْعَمَهم دُونَ ذلك فأشْبَعَهم، فظاهِرُ كلام أحمدَ أنَّه يُجْزِئُه؛ لأنَّه قد أطْعَمَهم. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُجْزِئَه؛ لأنَّه لم يُطْعِمْهم ما وَجَبَ لهم.

فصل: ويُجْزِئُ فى الكَفَّارَةِ ما يُجْزِئُ فى الفِطْرَةِ، مِن البُرِّ والشَّعِيرِ ودَقِيقِهما، والتَّمْرِ والزَّبِيبِ، وفى الأقِطِ وَجْهانِ، وفى الخُبْزِ رِوايَتَانِ، وكذلك يُخَرَّجُ فى


(٨) فى م زيادة: "له".
(٩) سقط من: الأصل، ب، م.
(١٠) تقدم حديث المجامع صفحة ٣٦٦، ٣٧٣.
(١١) سورة المجادلة ٤.
(١٢) سورة المائدة ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>