للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن اخْتَلفَ دِينُ السَّيِّدِ وعَتِيقهِ، فالوَلاءُ ثابتٌ. لا نعلمُ فيه خِلافًا؛ لِعُمومِ قولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ" (١٥). ولقولِه: "الْوَلَاءُ لُحْمةٌ كلُحْمةِ النَّسَبِ" (١٦). ولُحْمةُ النَّسَبِ تَثْبُتُ مع اخْتِلافِ الدِّينِ، وكذلك الوَلَاءُ، ولأنَّ الوَلاءَ إنَّما يَثْبُتُ له عليه لإِنْعامِه بإعْتاقِه، وهذا المعنى ثابتٌ مع اخْتِلافِ دِينِهِما، ويَثْبُتُ الوَلَاءُ للذَّكَرِ على الأُنْثَى، والأُنْثَى على الذَّكَرِ، ولكلِّ مُعْتِقٍ، لعُمومِ الخبرِ والمَعْنى، ولِحَدِيثِ عبدِ اللَّه بن شَدَّادٍ. وهل يَرِثُ السَّيِّدُ مَوْلاه مع اختلافِ الدِّينِ؟ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، يَرِثُه. رُوِىَ ذلك عن علىٍّ، وعمرَ بن عبدِ العزيزِ. وبه قال أهلُ الظَّاهِرِ. واحْتَجَّ أحمدُ بقَوْلِ علىٍّ: الوَلاءُ شُعْبةٌ من الرِّقِّ. وقال مالكٌ: يَرِثُ المُسْلِمُ مَوْلاه النَّصْرانِىَّ؛ لأنَّه يَصْلُحُ له تَمَلُّكُه (١٧)، ولا يَرِثُ النَّصْرانىُّ مَوْلاه المُسْلِمَ؛ لأنَّه لا يصْلُحُ له تَمَلُّكُه. وجمهورُ الفُقَهاءِ (١٨) على أنَّه لا يَرِثُه مع اخْتلافِ دِينِهِما؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَرِثُ الْمُسْلمُ الْكافِرَ ولا الْكافِرُ المُسْلِمَ" (١٩). ولأنَّه ميراثٌ، فيَمْنَعُه اختلافُ الدِّينِ، كميراثِ النَّسَبِ، ولأنَّ اخْتلافَ الدِّينِ مانعٌ من الميراثِ، فمَنَعَ المِيراثَ بالوَلاءِ، كالقَتْلِ والرِّقِّ، يُحَقِّقُه أَنَّ المِيراثَ بالنَّسَبِ أقْوَى، فإذا مَنَعَ الأقْوَى فالأضْعَفُ أوْلَى، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَلْحَقَ الوَلاءَ بالنَّسَبِ، بقوله: "الوَلَاءُ لُحْمةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ". وكما يَمْنَعُ اختلافُ الدِّينِ التَّوارُثَ مع صِحَّةِ النَّسَبِ وثُبُوتِه، كذلك يَمْنَعُه مع صِحَّةِ الوَلاءِ وثُبوتِه، فإذا اجْتمعا على الإِسلامِ، تَوارثَا كالمُتَناسِبَيْن، وهذا أصَحُّ فى الأثَرِ والنَّظَرِ، إن شاءَ اللَّه تعالى، فإن كان للسَّيِّدِ عَصَبةٌ على دِينِ العَبْدِ، وَرِثَه دونَ سَيِّدِه. وقال داودُ: لا يَرِثُ عَصَبَتُه مع حَياتِه. ولَنا، أنَّه بمَنْزِلةِ ما لو كان الأَقْرَبُ من العَصَبةِ مُخالِفًا لدِينِ المَيِّتِ والأَبْعدُ على دِينِه، وَرِثَ دُونَ القَريبِ.


(١٥) تقدم تخريجه فى: ٨/ ٣٥٩.
(١٦) تقدم تخريجه فى صفحة ٢١٥.
(١٧) فى الأصل، أ: "ملكه".
(١٨) فى م: "العلماء".
(١٩) تقدم تخريجه فى صفحة ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>