للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني: في قَدْرِ التَّعْرِيفِ، وذلك سَنَةً. رُوِى ذلك عن عمر, وعليٍّ، وابن عَبَّاسٍ. وبه قال ابنُ المُسَيَّبِ، والشَّعْبِيُّ، ومالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرأى. ورُوى عن عمرَ، رِوَايةٌ أخرى، أنَّه يُعَرِّفُها ثلاثةَ أشْهُرٍ. وعنه ثلاثةَ أعْوامٍ؛ لأنَّ أُبَي بن كَعْبٍ رَوَى أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَه بِتَعْرِيفِ مائة الدِّيْنَارِ ثلاثةَ أعْوامٍ. وقال أبو أَيُّوبَ الهاشِمِيُّ: ما دون الخَمْسِينَ دِرْهَمًا يُعَرِّفُها ثلاثةَ أيامٍ إلى سَبْعةِ أيامٍ. وقال الحَسَنُ بن صالحٍ: ما دون عَشْرَةِ درَاهِم يُعَرِّفُها ثلاثةَ أيامٍ. وقال الثَّورِيُّ في الدِّرْهَمِ: يُعَرِّفُه أرْبعةَ أيامٍ. وقال إسحاقُ: ما دون الدِّينَارِ يُعَرِّفُه جُمُعةً أو نحوَها. ورَوَى أبو إسحاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، بإسْنادِه، عن يَعْلى بن أُمَيَّةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنِ الْتقَطَ دِرْهَمًا، أوْ حَبْلًا، أو شِبْهَ ذلِكَ، فَليُعَرِّفْهُ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، فَإنْ كَانَ فَوْقَ ذلِكَ، فَليُعَرِّفْهُ سَبعةَ أيَّامٍ" (٦). ولنا: حَدِيثُ زَيْدِ بن خالِدٍ الصَّحِيحُ؛ فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَه بعامٍ واحدٍ، ولأنَّ السَّنَةَ لا تَتَأَخَّرُ عنها القَوَافِلُ، ويَمْضِى فيها الزَّمانُ الذي تُقْصَدُ فيه البِلَادُ، من الحَرِّ والبَرْدِ والاعْتِدَالِ، فصَلُحَتْ قَدْرًا كمُدَّةِ أجَلِ العِنِّينِ (٧). وأمَّا حَدِيثُ أُبَيٍّ، فقد قال الرَّاوِي: لا أدْرِى ثلاثة أعْوامٍ أو عام واحد. قال أبو دَاوُدَ: شَكَّ الرَّاوِى في ذلك. وحَدِيثُ يَعْلَى لم يَقُلْ به قائِلٌ على وَجْهِه، وحَدِيثُ زَيْدٍ وأُبَيّ أصَحُّ منه وأَوْلَى، إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَجِبُ أن تكونَ هذه السَّنَةُ تَلِى الالْتِقَاطَ، وتكونُ مُتَوالِيةً في نَفْسِها؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ بِتَعْرِيفِها حين سُئِلَ عنها، والأمْرُ يَقْتَضِى الفَوْرَ، ولأنَّ القَصْدَ بالتَّعْرِيفِ وُصُولُ الخَبَرِ إلى صاحِبِها، وذلك يَحْصُلُ بالتَّعْرِيفِ عَقِيبَ ضَيَاعِها مُتَوَالِيًا؛ لأنَّ صاحِبَها في الغالِبِ إنَّما يَتَوَقَّعُها ويَطْلُبُها عَقِيبَ ضَيَاعِها، فيَجِبُ تَخْصِيصُ التَّعْرِيفِ به.


(٦) انظر: ما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ١٧٣. والبيهقي، في: باب ما جاء في قليل اللقطة، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى ٦/ ١٩٥. والهيثمى، في: باب اللقطة، في كتاب البيوع. مجمع الزوائد ٤/ ١٦٩. وابن حجر، في مجمع الزوائد ٣/ ٧٤. وكل ذلك عن يعلى بن مرة، وليس يعلى بن أمية.
(٧) في م: "العين".

<<  <  ج: ص:  >  >>