للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمِ الحاضرِ، فى التَّرَخُّصِ وغيرِه، بخلافِ مسافةِ القَصْرِ. ويُعْتبَرُ دَوامُ هذا الشَّرْطِ إلى الحُكْمِ، فلو شهِدَ شَاهِدَا الفَرْعِ، فلم يُحْكَمْ بشهادتِهما حتى حضرَ شاهِدَا الأَصْلِ، لَوقفَ (١٣) الحُكْمُ على سماعِ شَهادتِهما؛ لأَنَّه قَدَرَ على الأَصْلِ قبلَ العملِ بالبَدَلِ، فلم يَجُزِ العملُ به، كالمُتَيَمِّم يَقْدِرُ على الماءِ قبلَ الصلاةِ، ولأنَّ حضورَهما لو وُجِدَ قبلَ أداءِ شَهادةِ الفَرْعِ، مَنَعَ، فإذا طَرأَ قبلَ الحُكْمِ، مَنَعَ منه، كالفِسْقِ. الشرط الثانى، أن تَتحقَّقَ شُروطُ الشَّهادةِ، من العَدالةِ وغيرِها، فى كلِّ واحدٍ مِن شُهودِ الأَصْلِ والفَرْعِ، على الوَجْهِ الذى ذكرناه؛ لأنَّ الحُكْمَ يَنْبَنِى على الشَّهادتيْنِ جميعًا، فاعْتُبِرَتِ الشُّروطُ فى كلِّ واحدٍ منهما. وخلافَ فى هذا نَعْلَمُه. فإن عَدَّلَ شهودُ الفَرْعِ شُهودَ الأَصْلِ، فشهِدَا بعَدالتِهما وعلى شَهادتِهما، جازَ، بغَيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه. وإن لم يَشْهَدا بعَدالَتِهما، جازَ، ويَتولَّى الحاكمُ ذلك، فإن عَلِمَ عَدالتَهما، حكَمَ، وإن لم يَعرِفْها بَحَثَ عنها (١٤). وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال الثَّوْرىُّ (١٥)، وأبو يوسفَ: إن لم يُعَدِّلْ شاهِدَا الفَرْعِ شَاهِدَىِ الأَصْلِ، لم يَسْمعِ الحاكمُ شَهادتَهما؛ لأنَّ تَرْكَ تَعْديلِه يَرْتابُ به الحاكمُ. وليس بصَحيحٍ؛ لأَنَّه يجوزُ أَنْ لا يَعْرفا ذلك، فيُرْجَعُ فيه إلى بَحْثِ الحاكمِ، ويَجوزُ أن يَعْرِفا عَدالتَهما ويَتْرُكاها، اكْتفاءً بما يَثْبُتُ عندَ الحاكمِ مِن عَدالَتِهما، ولابُدَّ من اسْتِمرارِ هذا الشَّرْطِ، ووُجودِ العَدالةِ فى الجميعِ إلى انْقِضاءِ الحُكْمِ؛ لما ذَكرْنا فى شاهدِ الأصلِ قبلَ هذا. وإن ماتَ شُهودُ الأَصْلِ أو الفَرْعِ، لم يَمْنعِ الحُكمَ، وكذلك لو ماتَ شهودُ الأَصْلِ قبلَ أداءِ الفُروعِ شَهادتَهم، لم يَمْنَعْ من أدائِها، والحُكْمِ بها؛ لأنَّ مَوْتَهم مِن شَرْطِ سماعِ شَهادةِ الفُروعِ والحُكمِ، فلا يجوزُ جَعْلُه مانِعًا، وكذلك إن جُنُّوا؛ لأنَّ جُنونَهم بمَنْزِلةِ مَوتِهم. الشَّرط الثالث، أن يُعَيِّنا شاهِدَىِ الأَصْلِ، ويُسمِّياهُما. وقال ابنُ جَرِيرٍ: إذا قالا: ذكَرَيْنِ، حُرَّيْنِ، عَدْلَينِ. جازَ، وإن لم يُسَمِّيَا؛ لأنَّ الغَرضَ مَعْرفةُ الصِّفاتِ دُونَ العَينِ. وليس بصَحيحٍ؛ لجَوازِ أن يَكونا عَدْلينِ عندَهما، مَجْروحَيْنِ عندَ غيرهما؛ ولأنَّ المشْهودَ عليه رُبَّما أمْكَنَه جَرْحُ الشُّهودِ، فإذا لم يَعْرِفْ أعْيانَهما، تعذَّر عليه ذلك.


(١٣) فى م: "وقف".
(١٤) فى أ: "عنهما".
(١٥) فى أ: "أبو ثور".

<<  <  ج: ص:  >  >>