للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْط الرابع، أن يَسْتَرْعِيَه شاهدُ الأَصْلِ الشَّهادةَ (١٦)، فيقولَ: اشْهَدْ على شَهادتى أنِّى أشْهَدُ أَنَّ لفُلانٍ على فلانٍ كذا، أو أقَرَّ عندى بكذا. أو يَسْمَعَ (١٧) شاهدًا يَسْتَرْعِى آخَرَ شَهادةً يُشْهِدُه عليها، فيجوزُ لهذا السَّامعِ أن يَشْهَد بها؛ لحُصولِ الاسْتِرْعاءِ، ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ له أن يَشْهَدَ إِلَّا أن يَسْتَرْعِيَه بعَيْنِه. وهو قولُ أبى حنيفةَ. قال أحمدُ: لا تَكونُ شَهادةً إِلَّا أن يُشْهِدَكَ، فأمَّا إذا سَمِعْتَه يَتحدَّثُ، فإنَّما ذلك حَدِيث. وبما ذكَرْناه قال الشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وأبو عُبَيْدٍ. فأمَّا إن سمِعَ شاهِدًا يشْهَدُ عندَ الحاكِم بحَقٍّ، أو سَمِعَه يَشْهَدُ بحَقٍّ يَعْزِيه إلى سَبَبٍ، نحو أن يقولَ: أشْهَدُ أَنَّ لفُلانٍ على فُلانٍ ألفًا مِن ثمنِ مَبِيعٍ. فهل يَشْهَدُ به؟ . قال أبو الخَطَّابِ: فيه رِوَايتانِ. وذكرَ القاضى، أَنَّ له الشَّهادةَ به. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأَنَّه بالشَّهادةِ عندَ الحاكمِ، ونِسْبَتِه للحقِّ (١٨) إلى سَبَبِه، يَزولُ الاحْتِمالُ، ويَرْتَفِعُ الإِشْكالُ، فتجوزُ له الشَّهادةُ على شَهادتِه، كما لو اسْتَرْعاه. والرِّوايةُ الأُخْرَى، لا يجوزُ أن يَشْهدَ على شَهادتِه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأبى عُبَيْدٍ؛ لأنَّ الشَّهادةَ على الشَّهادةِ فيها معنَى النِّيابةِ، فلا يَنُوبُ عنه إِلَّا بإذْنِه. ومَن نصرَ الأوَّلَ قال: هذا يَنْقُلُ شَهادتَه، ولا يَنُوبُ عنه؛ لأَنَّه لا يَشْهدُ مِثلَ شهادتِه، وإنَّما يَشْهدُ على شَهادتِه. فأمَّا إن قالَ: اشْهَدْ أنِّى أشْهَدُ على فُلانٍ بكذا. فالأشْبَهُ أن يجوزَ أن يَشْهَدَ على شَهادتِه. وهذا قولُ أبى يوسفَ؛ لأنَّ معنَى ذلك: اشْهَدْ على شَهادتِى. [وقالَ أبو حَنيفةَ: لا يجوزُ إِلَّا أَنْ يَقولَ: اشْهَدْ على شَهادتِى] (١٩) أنِّى أَشْهَدُ. لأَنَّه إذا قال: اشْهَدْ. فقد أمرَه بالشَّهادةِ، ولم يَسْتَرْعِه. وما عَدا هذه المَواضِعَ، لا يجوزُ أن يشْهدَ فيها على الشَّهادةِ، فإذا سَمِعَه يقولُ: أشْهَدُ أَنَّ لفُلانٍ على فُلانٍ ألفَ دِرهمٍ. لم يَجُزْ أن يَشْهدَ على شَهادتِه؛ لأَنَّه لم يَسْتَرْعِه الشَّهادةَ، فيَحْتَمِلُ أن يكونَ وَعَدَه بها. وقد يُوصَفُ الوَعْدُ بالوجوبِ مَجازًا؛ فإِنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْعِدَةُ دَيْنٌ" (٢٠). ويَحْتَمِلُ أن يُريدَ بالشَّهادةِ


(١٦) سقط من: ب.
(١٧) فى م: "سمع".
(١٨) فى أ: "الحق".
(١٩) سقط من: ب. نقل نظر.
(٢٠) أخرجه الديلمى وابن عساكر. انظر: الجامع الكبير ١/ ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>