للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَقِيقًا جازَ، لَكنْ يَزِيدُ على قَدْر (٥) المُدِّ قَدْرًا يَبْلُغُ المُدَّ حَبًّا، أو يُخْرِجُه بالوَزْنِ؛ لأنَّ للحَبِّ رَيْعًا، فيكونُ فى مِكْيَالِ الحَبِّ أكثرُ ممَّا فى مِكْيالِ الدَّقِيقِ. قال الأثْرَمُ: قيل (٦) لأبى عبدِ اللَّه: فيُعْطِى البُرَّ والدَّقِيقَ؟ فقال: أمَّا الذى جاء فالبُرُّ، ولكنْ إنْ أعطاهم الدَّقِيقَ بالوزنِ، جازَ. وقال الشَّافعىُّ: لا يُجْزِئُ؛ لأنَّه ليس بِحالِ الكَمَالِ، لأجْلِ ما يَفوتُ به مِن وُجُوهِ الاْنتِفاعِ، فلم يَجُزْ، كالهَرِيسَةِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}. والدَّقِيقُ مِن أوْسَطِ ما يُطْعِمُه أهلَه، ولأنَّ الدقيقَ أجْزَاءُ الحِنْطَةِ، وقد كَفاهم مُؤْنَتَه وطَحْنَه، وهَيَّأَهُ وقَرَّبَه مِن الأَكْلِ، وفارَقَ الهَرِيسَةَ، فإنَّها تَتْلَفُ على قُرْبٍ، ولا يُمْكِن الانتفاعُ بها فى غيرِ الأكْلِ فى تلك الحالِ، بخلافِ مَسْألتِنا. وعن أحمدَ، فى إخراجِ الخُبْزِ رِوَايتانِ؛ إحداهما، يُجْزِئُ. اختارَها الْخِرَقِىُّ. ونَصَّ عليه أحمدُ، فى روايةِ الأثْرَمِ، فإنَّه قال: قلتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: رَجلٌ أخَذَ ثلاثةَ عشرَ رَطْلًا وثُلُثًا دَقِيقًا، وهو كَفّارةُ اليَمِينِ، فَخَبَزَه للمساكينِ، قسَمَ الخُبْزَ على عشرةِ مَساكِينَ، أيُجْزِئُه ذلك؟ قال: ذلك أعْجَبُ إلىَّ، وهو الذى جاء فيه الحديثُ أَنْ يُطْعمَهم مُدَّ بُرٍّ، وهذا إنْ فَعَلَ فأرجو أَنْ يُجْزِئَه. قلتُ: إنَّما قال اللَّه تَعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}. فهذا قد أطْعَمَ عشرةَ مساكينَ، وأوْفاهم المُدَّ. قال: أرْجُو أَنْ يُجْزِئَه. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشّافعىِّ. ونَقَلَ الأثْرَمُ، فى موضعٍ آخَرَ، أنَّ أحمدَ سأله رجلٌ عن الكَفَّارةِ، قال: أطْعُمُهُمْ خُبْزًا وتَمْرًا؟ قال: ليس فيه تمرٌ. قال: فخُبْزٌ؟ . قال: لا، ولكنْ بُرًّا أو دَقِيقًا بالوزنِ، رَطلٌ وثُلثُ لكُلِّ مِسْكينِ. فظاهِرُ هذا أنَّه لا يُجْزِئُه. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه خَرَجَ عن حالةِ الكمالِ والادِّخارِ فأشَبَهَ الهَرِيسَةَ. والأوَّلُ أحْسَنُ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}. وهذا من أوْسَطِ ما يُطْعِمُ أهلَه، وليس الادِّخارُ


(٥) سقط من: الأصل.
(٦) فى ب: "قلت".

<<  <  ج: ص:  >  >>