للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجْلِه، فلم يُمْنَعْ من الغَزْوِ، كما لو لم يَكُنْ عليه دينٌ. ولَنا، أنَّ الجِهادَ تُقْصَدُ منه الشهادَةُ التي تَفُوتُ بها النَّفْسُ، فيَفُوتُ الحقُّ بفَواتِها، وقد جاءَ أنَّ رجُلًا جاءَ إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللهِ، إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللَّه صابرًا مُحْتَسِبًا، تُكَفَّرُ عنِّى خَطاياىَ؟ قال: "نَعَمْ، إلَّا الدَّيْنَ، فَإنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِى ذلِكَ". [روَاه مُسْلِمٌ] (٤). وأمَّا إذا تعَيَّنَ عليه الجِهادُ، فلا إذْنَ لغَرِيمهِ؛ لأنَّه تعلَّق بعيْنِه، فكان مُقَدَّمًا على ما في ذِمَّتِه، كسائِرِ فُروضِ الأَعْيانِ، ولكنْ يُسْتَحَبُّ له أنْ لا يَتَعَرَّضَ لِمَظانِّ القَتْلِ؛ من المُبارَزَةِ، والوقُوفِ في أوَّل المُقاتِلَةِ؛ لأنَّ فيه تَغْريرًا بتَفْوِيت الحَقِّ. وإنْ تَرَكَ وفاءً، أو أقامَ به (٥) كفيلًا، فله الغَزْوُ بِغَيْر إذْنٍ. نَصَّ عليه أحمد، في مَن تَرَكَ وفاءً؛ لأنَّ عبدَ اللَّه بن حَرامٍ، أبا جابِرٍ بنِ عبدِ اللَّه، خرجَ إلى أُحُدٍ، وعليه دَيْنٌ كثيرٌ، فاسْتُشْهِدَ، وقَضاهُ عنه ابْنُه بعِلْم النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يَذُمَّه النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، ولم يُنْكِرْ فِعْلَه، بل مَدَحه، وقال: "مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ" (٦). وقال لابْنِه جابر: "أشَعَرْتَ أَنَّ اللهَ أَحْيَا أَبَاكَ، وكلَّمَهُ (٧) كِفاحًا" (٨).


(٤) سقط من: الأصل، أ. وأخرجه مسلم، في: باب من قتل في سبيل اللَّه كفرت خطاياه إلا الدين، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم ٣/ ١٥٠١.
كما أخرجه الترمذي، في: باب في من يستشهد وعليه دين، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذي ٧/ ٢٠٥. والنسائي، في: باب من قاتل في سبيل اللَّه تعالى وعليه دين، من كتاب الجهاد. المجتبى ٦/ ٢٨، ٢٩، ٣٠. والدارمي، في: باب في من قاتل في سبيل اللَّه صابرا محتسبا، من كتاب الجهاد. سنن الدارمي ٢/ ٢٠٧. والإِمام مالك، في: باب الشهداء في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. الموطأ ٢/ ٤٦١. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٢٥، ٣٥٢، ٣٧٣، ٥/ ٢٩٧، ٣٠٤، ٣٠٨.
(٥) سقط من: الأصل، ب، م.
(٦) أخرجه البخاري، في: باب حدثنا على بن عبد اللَّه. . ., من كتاب الجنائز، وفي: باب ظل الملائكة على الشهيد، من كتاب الجهاد، وفي: باب من قتل من المسلمين يوم أحد، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٢/ ١٠٢، ٤/ ٢٦، ٥/ ١٣١. ومسلم، في: باب من فضائل عبد اللَّه بن عمرو بن حرام. . ., من كتاب فضائل الصحابة. صحيح مسلم ٤/ ١٩١٧، ١٩١٨. والنسائي، في: باب تسجية الميت، وباب في البكاء على الميت، من كتاب الجنائز. المجتبى ٤/ ١٠، ١١، ١٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٢٩٨، ٣٠٧.
(٧) في أ: "فكلمه".
(٨) كفاحا: أي مواجهة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>