للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقولِه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (٨). والاسْتِثْناءُ من النَّفِى إثْباتٌ، فيكونُ تَقْديرُه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فاقْبَلوا شَهادتَهم، ولَيسوا بفاسِقينَ. فإن قال (٩): إنَّما يَعودُ الاسْتِثْناءُ إلى الجُملةِ التى تَلِيه؛ بدليلِ أنَّه لا يَعودُ إلى الجَلْدِ. قُلْنا: بل يعودُ إليه أيضًا؛ لأنَّ هذه الجُمَلَ مَعطوفٌ بعضُها على بعضٍ بالواوِ، وهى للجَمْعِ تَجْعَلُ الجُمَل كلَّها كالجُملةِ الواحدةِ، فيعودُ الاسْتِثْناءُ إلى جميعِها، إِلَّا ما مَنَعَ منه مانِعٌ، ولهذا لمَّا قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ (١٠) فِى بَيْتِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بإِذْنِهِ" (١١). [عادَ الاسْتِثْناءُ إلى الجُملتيْنِ جميعًا، ولأن الاسْتِثْناءَ يُغايِرُ ما قبلَه، فعادَ إلى الجُمَلِ المعطوفِ] (١٢) بعضُها على بعضٍ بالواوِ، كالشَّرطِ، فإنَّه لو قال: امرأتُه طالقٌ، وعبدُه (١٣) حُرٌّ، إِنْ لم يَقُمْ. عادَ الشرطُ إليهما، كذا الاسْتثناءُ، بل عَوْدُ الاسْتِثْناءِ إلى رَدِّ الشَّهادةِ أوْلَى؛ لأنَّ رَدَّ الشَّهادةِ هو المأمورُ به، فيكونُ هو الحُكْمَ، والتَّفْسِيقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الخَبرِ والتَّعْليلِ لردِّ الشَّهادةِ، فعَودُ الاسْتِثْناءِ إلى الحُكْمِ المقصودِ، أوْلَى. مِن رَدِّه إلى التَّعليلٍ، وحديثُهم ضَعِيفٌ، يَرْوِيه الحجَّاجُ بنُ أَرْطاة، وهو ضَعيفٌ. قال ابنُ عبدِ الْبَرِّ: لم يَرْفعْه مَن فى (١٤) رِوايتهِ حُجَّةٌ. وقد رُوىَ من غيرِ طريقه، ولم تُذْكَرْ فيه هذه الزِّيادةُ فدلَّ ذلك على أنَّها من غلَطِه، ويَدُلُّ على خَطأِهِ قَبولُ شَهادةِ كلِّ مَحْدودٍ فى غيرِ القَذفِ بعدَ تَوْبتِه، ثم لو قُدِّرَ صِحَّتُه، فالمُرادُ به مَن لم يَتُبْ، بدليلِ: كلُّ مَحدودٍ تائبٌ سِوَى هذا. وأما الفصل الثانى فدَليلُنا فيه الآيةُ، فإنَّه رَتَّبَ على رَمْىِ المُحْصَناتِ ثَلاثةَ أشياءَ؛ إيجابُ الجَلْدِ، ورَدُّ الشَّهادةِ، والفِسْقُ، فيَجبُ أن يَثْبُتَ رَدُّ الشَّهادةِ بوُجودِ الرَّمْى الذى لم يُمْكِنْه تَحْقيقُه، كالجَلْدِ؛ ولأن الرَّمْىَ هو المعصيةُ، والذَّنْبُ الذى يَسْتحِقُّ به العقوبةَ، وتثبُتُ به المَعْصِيةُ الموجِبَةُ لردِّ الشَّهادةِ، والحدُّ كفَّارةٌ وتطْهيرٌ، فلا يجوزُ تعْليقُ رَدِّ الشهادةِ به، وإنَّما الجَلْدُ


(٨) سورة النور ٥.
(٩) فى الأصل، م: "قالوا".
(١٠) سقط من: أ. على أنه: "لا يُؤمَّنَّ الرجلُ".
(١١) تقدم تخريجه، فى: ٣/ ٤٢.
(١٢) سقط من: أ.
(١٣) فى ب: "أو عبده".
(١٤) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>