للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْلُغَ. وقال القاضي، وأبو الخَطَّابِ: تَصِحُّ وَصِيّةُ الصَّبِىِّ إذا عَقَلَ. ورُوِى عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه أجازَ وَصِيّةَ الصّبِىِّ، وهو قولُ عمرَ بن عبد العَزيزِ، وشُرَيْحٍ، وعَطاءٍ، والزُّهْرِيِّ، وإياسٍ، وعبدِ اللَّه بن عُتْبةَ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِيِّ، ومالِكٍ، وإسحاقَ. قال إسحاقُ: إذا بَلَغَ اثْنَتَى عَشرَةَ. وحَكَاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ. وعن ابنِ عَبّاسٍ: لا تَصِحُّ وَصِيَّتُه حتى يَبْلُغَ. وبه قال الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وأصْحابُ الرأْىِ. وللشّافِعِيِّ قَوْلانِ، كالمَذْهَبَيْنِ. واحْتَجُّوا بأنَّه تَبَرُّعٌ بالمالِ، فلا يَصِحُّ من الصَّبِيِّ، كالهِبَةِ والعِتْقِ، ولأنَّه لا يُقْبَلُ إقْرَارُه، فلا تَصِحُّ وَصِيَّتُه، كالطِّفْلِ. ولَنا، ما رُوِىَ، أنَّ صَبِيًّا من غَسَّانَ، له عَشْرُ سِنِينَ، أوْصَى لأَخْوالٍ له، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه، فأجازَ وَصِيَّتَه. رَوَاهُ سَعِيدٌ. ورَوَى مالِكٌ، في "مُوَطَّإِه" (٢) عن عبدِ اللَّه بن أبي بكرٍ، عن أبِيه، أنَّ عَمْرَو بن سُلَيْمٍ أخْبَرَه، أنَّه قِيل لِعمرَ بن الخَطّابِ: إنَّ ههُنا غُلَامًا يَفَاعًا لم يَحْتَلِمْ، وَوَرَثَتُه بالشّامِ، وهو ذو مالٍ، وليس له ههُنا إلَّا ابْنَة عَمٍّ له، فقال عمرُ: فَلْيُوصِ لها. فأَوْصَى لها بمالٍ يقال له بِئْرُ جُشَم. قال عَمْرُو بن سُلَيْمٍ: فَبِعْتُ ذلك المال بثَلَاثِينَ ألْفًا. وابْنةُ عَمِّه التي أوْصَى لها هي أُمُّ عَمْرِو بن سُلَيْمٍ. قال أبو بكرٍ: وكان الغُلَامُ ابنَ عَشْر أو اثْنَتَى عَشرَةَ سَنةً. وهذه قِصّةٌ انْتَشَرَتْ فلم تُنْكَرْ، ولأنَّه تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ، فصَحَّ منه، كالإِسْلامِ والصَّلَاةِ، وذلك لأنَّ الوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يَحْصُلُ ثَوَابُها له بعد غِنَاه عن مِلْكِه ومالِه، فلا يَلْحَقُه ضَرَرٌ في عاجِلِ دُنْيَاه ولا أُخْرَاه، بخِلَافِ الهِبَةِ والعِتْقِ المُنْجَزِ، فإنَّه يُفَوِّتُ من مالِه ما يَحْتاجُ إليه، وإذا رُدَّتْ رَجَعَتْ إليه، وههُنا لا يَرْجِعُ إليه بالرَّدِّ، والطِّفْلُ لا عَقْلَ له، ولا يَصِحُّ إسْلَامُه ولا عِبَادَاتُه. وقوله: "إذا وافَقَ الحَقَّ". يعني


(٢) في: باب ما يجوز وصية الصغير. . .، من كتاب الوصية. الموطأ ٢/ ٧٦٢.
كما أخرجه الدارمي، في: باب الوصية للغلام، من كتاب الوصايا. سنن الدارمي ٢/ ٤٢٤ مختصرا. والبيهقي، في: باب ما جاء في وصية الصغير، من كتاب الوصايا. السنن الكبرى ٦/ ٢٨٢. وعبد الرزاق، في: باب وصية الغلام، من كتاب الوصايا. المصنف ٩/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>