للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخَفِّفَ بهم الصلاةَ؛ لأنَّ مَوْضُوعَ صلاةِ الخَوْفِ على التَّخْفِيفِ، وكذلك الطَّائِفَةُ التي تُفارِقُه تُصَلِّى لِنَفْسِها، تَقْرَأُ بِسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، ولا تُفارِقُه حتى يَسْتَقِلَّ قَائِمًا؛ لأنَّ النُّهُوضَ يَشْتَرِكُونَ فيه جميعًا، فلا حَاجَةَ إلى مُفارَقَتِهِم إيَّاهُ قبلَه، والمُفارَقَةُ إنَّما جَازَتْ لِلْعُذْرِ. ويَقْرَأُ، ويَتَشَهَّدُ، ويُطِيلُ في حالِ الانْتِظَارِ حتى يُدْرِكُوهُ. وقال الشَّافِعِيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: لا يَقْرَأُ حالَ الانْتِظارِ، بل يُؤَخِّرُ القِرَاءَةَ لِيَقْرَأ بالطَّائِفَةِ الثانيةِ، لِيكُونَ قد سَوَّى بين الطَّائِفَتَيْنِ. ولَنا، أنَّ الصلاةَ ليس فيها حالُ سُكُوتٍ، والقِيَامُ مَحَلٌّ لِلْقِرَاءَةِ، فَيَنْبَغِى أن يَأْتِىَ بها فيه، كما في التَّشَهُّدِ إذا انْتَظَرَهُمْ فإنه يَتَشَهَّدُ ولا يَسْكُتُ، كذلك (٤) ها هُنا، والتَّسْوِيَةُ بينهم تَحْصُلُ بانْتِظارِه إيَّاهُم في مَوْضِعَيْنِ، والأُولَى في مَوْضِعٍ واحِدٍ. إذا ثَبَتَ هذا فقال القاضي: إنْ قَرَأ في انْتِظَارِهِم قَرَأ بعدَ ما جاءُوا بِقَدْرِ فَاتِحَةِ الكِتابِ وسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وإن لم يَقْرَأْ في انْتِظَارِهِم قَرَأ إذا جاءُوا بالفاتِحَةِ وسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وهذا على سَبِيلِ الاسْتِحْبابِ، ولو قَرَأَ قبلَ مَجِيئِهِمْ ثم رَكَعَ عند مَجِيئِهِمْ أو قبلَه فأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا رَكَعْوا معه، وصَحَّتْ لهم الرَّكْعَةُ مع تَرْكِه (٥) السُّنَّةَ، وإذا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فصَلَّوْا رَكْعَةً أُخْرَى، وأطالَ التَّشَهُّدَ بالدُّعاءِ والتَّوَسُّلِ حتى يُدْرِكُوهُ ويَتَشَهَّدُوا، ثم يُسَلِّمُ بهم. وقال مالِكٌ: يَتَشَهَّدُونَ معه، فإذا سَلَّمَ الإِمَامُ قامُوا فقَضَوْا ما فاتَهُم كالمَسْبُوقِ. وما ذَكَرْنَاهُ أوْلَى. لقولِ اللهِ تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} (٦). وهذا يَدُلُّ على أن صَلَاتَهم كُلَّها معه. وفي حَدِيثِ سَهْلٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَعَدَ حتى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَه رَكْعَةً، ثم سَلَّمَ. رَوَاه أبو دَاوُدَ (٧). وروى أنَّه سَلَّمَ بالطَّائِفَةِ الثانِيةِ. ولأنَّ الأولَى أدْرَكَتْ معه فَضِيلَةَ الإِحْرامِ، فَيَنْبَغِى أن


(٤) في أ، م: "كذا".
(٥) في أ، م: "ترك".
(٦) سورة النساء ١٠٢.
(٧) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>