للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَارَ الرَّهْنُ لِلسَّيِّدِ، لأنَّه من جُمْلَةِ مالِ المُكَاتَبِ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ: ولَنا، أنَّها وَثِيقَةٌ لا يمكنُ اسْتِيفَاءُ الحَقِّ منها، فلم يَصِحَّ، كضَمانِ الخَمْرِ، ولا يجوزُ أخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضِ المُسَابَقةِ؛ لأنها جُعْلَةٌ، ولم يُعْلَمْ إفْضَاؤُها إلى الوُجُوبِ، لأنَّ الوُجُوبَ إنَّما يَثْبُتُ بِسَبْقِ غيرِ المُخْرجِ، وهذا غيرُ مَعْلُومٍ ولا مَظْنُونٍ وقال بعضُ أصْحابِنَا: فيها وَجْهانِ، هل هى إجَارَةٌ أو جُعَالَةٌ؟ فإن قُلْنا: هى إِجَارَةٌ. جَازَ أخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضِها. وقال القاضى: إن لم يكُنْ فيها مُحَلَّلٌ فهى جُعَالَةٌ، وإن كان فيها مُحَلَّلٌ فعلَى وَجْهَيْنِ. وهذا كلُّه بَعِيدٌ؛ لأنَّ الجُعْلَ ليس هو فى مُقَابَلَةِ العَمَلِ، بِدَلِيلِ أنَّه لا يَسْتَحِقُّه إذا كان مَسْبُوقًا. وقد عَمِلَ العَمَلَ، وإنَّما هو عِوَضٌ عن السَّبْقِ، ولا تُعَلَمُ القُدْرَةُ عليه. ولأنَّه لا فَائِدَةَ لِلجَاعِلِ فيه، ولا هو مُرَادٌ له، وإذا لم تكُنْ إجَارَةً مع عَدَمِ المُحَلَّلِ، فمع وُجُودِه أوْلَى، لأنَّ مُسْتَحِقَّ الجُعْلِ هو السَّابِقُ، وهو غيرُ مُعَيَّن، ولا يجوزُ اسْتِئْجَارُ رَجُلٍ غيرِ مُعَيَّنٍ، ثم لو كانت إجَارَةً لكانَ عِوَضُها غيرَ واجِبٍ فى الحالِ، ولا يُعْلَمُ إفْضَاؤُه إلى الوُجُوبِ ولا يُظَنُّ، فلم يَجُزْ أخْذُ الرَّهْنِ به كالجُعْلِ فى رَدِّ الآبِقِ واللُّقَطِ، ولا يجوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضٍ غيرِ ثَابِتٍ فى الذِّمَّةِ، كالثَّمَنِ المُعَيَّنِ، والأُجْرَةِ المُعَيَّنَةِ فى الإجَارَةِ، والمَعْقُودِ عليه فى الإجَارَةِ إذا كان مَنَافِعَ مُعَيَّنةً، مثلَ إِجَارَةِ الدَّارِ، والعَبْدِ المُعَيَّنِ، والجَمَلِ المُعَيَّنِ، مُدَّةً مَعْلُومَةً، أو لِحَمْلِ شىءٍ مُعَيَّنٍ إلى مَكَانٍ مَعْلُومٍ؛ لأنَّ هذا حَقٌّ تَعَلَّقَ بالعَيْنِ لا بالذِّمَّةِ، ولا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُه (١٠) من الرَّهْنِ؛ لأنَّ مَنْفَعَةَ العَيْنِ لا يمكنُ اسْتِيفَاؤُها من غيرِها، وتَبْطُلُ الإجَارَةُ بِتَلَفِ العَيْنِ. وإن وَقَعَتِ الإجارَةُ على مَنْفَعَةٍ فى الذِّمَّةَ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وبنَاءِ دَارٍ، جَازَ أخْذُ الرَّهْنِ به؛ لأنَّه ثَابِتٌ فى الذِّمَّةِ، ويمكنُ اسْتِيفَاؤُه من الرَّهْنِ، بأَن يَسْتَأْجِرَ مِن ثَمَنِه مَن يَعْمَلُ ذلك العَمَلَ، فجازَ أخْذُ الرَّهْنِ به، كالدَّيْنِ. ومذهبُ الشَّافِعِىِّ فى هذا كلِّه كما قُلْنَا.


(١٠) فى م زيادة: "أحق". خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>