للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ما نَقَلَهُ أحْمَدُ بن سَعِيدٍ في صِحَّةِ البَيْعِ على من لم (١٧) يُرِدْ حِيلَةً، فإن أرادَ الحِيلَةَ، وقَصَدَ بِشَرْطِه القَطْعَ الحِيلَةَ على إبْقائِه، لم يَصِحَّ بحالٍ، إذ قد ثَبَتَ من مذهبِ أحمدَ أنَّ الحِيَلَ كلَّها باطِلَةٌ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ الثَّمرَةِ قبل بُدُوِّ صَلَاحِهَا (١٨). فاسْتَثْنَى منه ما اشْتَراهُ بِشَرْطِ القَطْعِ، فقَطَعَهُ بالإِجْماعِ، فيَبْقَى ما عَداه على أصْلِ التَّحْرِيمِ، ولأنَّ التَّبْقِيَةَ مَعْنًى حَرَّمَ الشَّرْعُ اشْتراطَه لِحَقِّ اللَّه تعالى، فأبْطَلَ العَقْدُ وُجُودَه. كالنَّسِيئَةِ فيما يَحْرُمُ فيه النَّساءُ، وتَرْكِ التَّقابُضِ فيما يُشْتَرَطُ فيه القَبْضُ، أو الفَضْلِ فيما يَجِبُ التَّساوِى فيه، ولأنَّ صِحَّةَ البَيْعِ تَجْعَلُ ذلك ذَرِيعَةً إلى شِراءِ الثَّمرَةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها، وتَرْكِها حتى يَبْدُوَ صَلَاحُها، ووَسَائِلُ الحَرامِ حَرامٌ، كَبَيْعِ العِينةِ (١٩). ومتى حَكَمْنَا بِفَسادِ البَيْعِ، فالثَّمرَةُ كلُّها لِلْبائِعِ. وعنه، أنَّهما يَتَصَدَّقانِ بالزِّيادَةِ. قال القاضى: هذا مُسْتَحَبٌّ لِوُقُوعِ الخِلافِ في مُسْتَحِقِّ الثَّمرَةِ، فاسْتُحِبَّتِ الصَّدَقَةُ بها، وإلَّا فالحَقُّ أنَّها للبائِعِ تَبَعًا للأَصْلِ، كسائِر نَماءِ المَبِيعِ المُتَّصِلِ إذا رُدَّ على البائِعِ بِفَسْخٍ أو بُطْلانٍ. ونقل ابنُ أبى مُوسى في "الإِرْشادِ"، أن البائِعَ والمُشْتَرِىَ يكُونان شَرِيكَيْنِ في الزِّيادَةِ. وأمَّا إن حَكَمْنا بِصِحَّةِ العَقْدِ، فقد رُوِىَ أنَّهما يَشْتَرِكانِ في الزِّيادَةِ؛ لِحُصُولِها في مِلْكِهِما، فإن مَلَكَ المُشْتَرِى الثمرَةَ، ومَلَكَ البائِعُ الأصْلَ، وهو سببُ الزِّيَادَةِ. قال القاضى: الزِّيادَةُ لِلْمُشْتَرِى كالعَبْدِ إذا سَمِنَ. وحَمَلَ قولَ أحمدَ: "يَشْتَرِكَانِ" على الاسْتِحْبابِ. والأوَّلُ أظْهَرُ؛ لما ذَكَرْنا، فإنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ من أصْلِ البائِعِ من غير اسْتِحْقاقِ تَرْكِها، فكان فيها حَقٌّ له، بخِلافِ العَبْدِ إذا سَمِنَ، فإنَّه لا يَتَحَقَّقُ فيه هذا المَعْنَى، ولا يُشْبِهُه، ولا يَصِحُّ حَمْلُ قولِ أحمدَ على


(١٧) سقط من: م.
(١٨) تقدم في صفحة ١٤٨.
(١٩) بيع العينة: إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الذى باعها به. اللسان (ع ى ن).

<<  <  ج: ص:  >  >>