للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوبِه على المُكْرَهِ، أنَّه قَتَلَه عمْدًا ظُلْمًا لاسْتِبْقاءِ نَفْسِه، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَه في المَخْمَصةِ ليَأْكُلَه. وقولُهم: إنَّ المُكْرَهَ مُلْجَأٌ. غيرُ صحيحٍ، فإنَّه مُتَمَكِّنٌ من الامْتِناعِ، ولذلك أَثِمَ بقَتْلِه، وحَرُمَ عليه، وإنَّما قَتَلَه عند الإِكراهِ ظَنًّا منه (٦٠) أن في قَتْلِه نجاةَ نَفْسِه، وخَلَاصَه من شَرِّ المُكْرِهِ، فأشْبَهَ القاتلَ في المَخْمَصةِ ليَأكُلَه. وإن صار الأمْرُ إلى الدِّيَةِ، وَجَبَتْ عليهما. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدٌ: لا دِيَةَ على المُكْرَهِ؛ بناءً منهما على أنَّه آلةٌ. وقد بَيَّنَّا فسادَه، وإنَّما هما شَرِيكانِ، يجبُ القِصاصُ عليهما جميعًا، فوَجَبَتِ الدِّيَةُ عليهما، كالشَّرِيكَيْنِ بالفِعْلِ، وكما يَجِبُ الجزاءُ على الدَّالِّ على الصَّيْدِ في الإِحْرامِ والمُباشِر (٦١)، والرّدْءِ والمُباشِرِ (٦٢) في المُحارَبةِ. فعلى هذا، إن أحَبَّ الوَلِيُّ قَتْلَ أحَدِهما، وأخْذَ نِصْفِ الدِّيَةِ من الآخَرِ، أو العَفْوَ عنه، فله ذلك. الضَّرْب الثاني، إذا شَهِدَ رَجُلانِ على رجلٍ بما يُوجِبُ قَتْلَه، فقُتِلَ بشهادَتِهما، ثم رَجَعا، واعْتَرفا بتَعَمُّدِ القَتلِ ظُلْمًا، وكَذِبهِما في شَهادَتِهما، فعليهما القِصاصُ. وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفةَ: لا قِصاصَ عليهما؛ لأنَّه تَسَبُّبٌ غيرُ مُلْجِئٍ، فلا يُوجِبُ القِصاصَ، كحَفْرِ البِئْرِ. ولَنا، ما رَوَى القاسمُ بن عبد الرحمنِ، أنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدا عندَ عليٍّ، كَرَّمَ اللهُ وجهَه، على رجلٍ أنَّه سَرَقَ، فقَطَعَه، ثم رَجَعَا عن (٦٣) شهادَتِهما، فقال عليٌّ: لو أعْلَمُ أنَّكُما تعَمَّدْتُما، لَقَطعْتُ أيْدِيَكُما. وغَرَّمَهُما دِيَةَ يَدِه (٦٤). ولأنَّهما توَصَّلَا إلى قَتْلِه بسَبَبٍ يَقْتُلُ غالبًا، فوَجَبَ عليهما القِصاصُ، كالمُكْرَهِ، الضَّرْب الثالث، الحاكمُ إذا حَكَمَ على رجلٍ بالقَتْلِ، عالِمًا بذلك مُتَعَمِّدًا


(٦٠) سقط من: الأصل، ب.
(٦١) في ب: "والمباشرة".
(٦٢) في ب: "والمباشرة". وفي م: "كالمباشر".
(٦٣) في م: "على".
(٦٤) أخرجه البخاري، في: باب إذا أصاب قوم من رجل. . ., من كتاب الديات. صحيح البخاري ٩/ ١٠. والدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٨٢. والبيهقي، في: باب الاثنين أو أكثر يقطعان يد رجل معا، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى ٨/ ٤١. وابن أبي شيبة، في: باب الرجلان يشهدان على رجل بالحد، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٤٠٨، ٤٠٩. كلهم عن الشعبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>