للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حَسبِ ذلك. وإن لم يكُنْ مع أحدِهِما بَيِّنَةٌ، فالقولُ قولُ السَّاقِي؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ وُجوبِ القِصاصِ، فلا يَثْبُتُ بالشَّكِّ، ولأنَّه أعْلَمُ بصِفَةِ ما سَقَى. وإن ثَبَتَ أنَّه قاتلٌ، فقال: لم أعْلَمْ أنَّه قاتلٌ. ففيه وَجْهان؛ أحدهما: عليه القَوَدُ؛ لأنَّ السُّمَّ من جِنْسِ ما يَقْتُلُ (٥٤) غالبًا، فأشْبَهَ ما لو جَرَحَه، وقال: لم أعْلَمْ أنَّه يموتُ منه. والثاني: لا قَوَدَ عليه؛ لأنَّه يجوزُ أن يَخْفَى عليه أنَّه قاتلٌ. وهذه (٥٥) شُبْهةٌ يَسْقُطُ بها القَوَدُ.

النَّوع السادس، أن يَقْتُلَه بسِحْرٍ يَقْتُلُ غالبًا، فيَلْزَمُه القَوَدُ؛ لأنَّه قَتَلَه بما يقْتُلُ غالبًا، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَه بسِكِّينٍ. وإن كان ممَّا لا يقْتُلُ غالبًا، أو كان (٥٦) ممَّا يقْتُلُ ولا يقْتُلُ، ففيه الدِّيَةُ دُونَ القِصاصِ؛ لأنَّه عَمْدُ الخَطَإِ، فأشْبَهَ ضَرْبَ العَصَا.

النَّوع السابع، أن يَتَسَبَّبَ إلى قَتْلِه بما يقْتلُ غالبًا، وذلك أربعة أضْرُبٍ؛ أحدها، أن يُكْرِهَ رجلًا على قَتْلِ آخَرَ، فيقتلَه، فيَجِبُ القِصاصُ على المُكْرِهِ والمُكْرَهِ جميعًا. وبهذا قال مالكٌ. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدٌ: يجبُ القِصاصُ على المُكْرِهِ دُونَ المُباشِرِ؛ لقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: "عُفِيَ لأمّتِي عَنِ الْخَطَإِ والنِّسْيانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْه" (٥٧). ولأنَّ المُكْرَهَ آلةٌ للمُكْرِه، بدليلِ وُجُوبِ القِصاصِ على المُكْرِهِ، ونَقْلِ فِعْلِه إليه، فلم يجبْ على المُكْرَهِ، كما لو رَمَى به عليه فقَتَلَه. وقال زُفَر: يجبُ على المُباشِرِ دُونَ المُكْرِهِ؛ لأنَّ المُباشرةَ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّبَبِ (٥٨)، كالحافرِ مع الدَّافعِ، والآمِرِ مع القاتلِ. وقال الشافعيُّ: يجبُ على المُكْرِهِ، وفي المُكْرَهِ قَوْلان. وقال أبو يوسفَ: لا يجبُ على واحدٍ منهما؛ لأنَّ المُكْرِهَ لم يُباشِر القَتْلَ، فهو كحافرِ البِئْرِ، والمُكْرَهَ ملْجَأٌ، فأشْبَهَ المَرْمِيَّ به على إنْسانٍ. ولَنا، على وُجُوبِه على المُكْرِهِ، أنَّه تَسَبَّبَ إلى قَتْلِه بما يُفْضِي إليه غالبًا، فأشْبَهَ ما لو أَلْسَعَهُ (٥٩) حَيَّةً، أو ألْقَاهُ على أسَدٍ في زُبْيَةٍ. ولَنا، على


(٥٤) في م زيادة: "به".
(٥٥) في الأصل، ب: "وهذا".
(٥٦) في ب: "وكان".
(٥٧) تقدم تخريجه، في: ١/ ١٤٦.
(٥٨) في الأصل، ب: "النسب".
(٥٩) في م: "ألسعته".

<<  <  ج: ص:  >  >>