للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليجدَ فيهم فُرْصَةً، أو ليسْتَنِدَ إلى جبلٍ، ونحوِ ذلك ممَّا جَرَتْ به عادَةُ أهلِ الحرْبِ. وقد رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أَنَّه كان يومًا فى خُطْبَتِه إذْ قال: يا سارِيَةُ بن زُنَيْم، الجَبَلَ، ظَلَمَ الذِّئْبَ من اسْتَرْعاه الغنمَ. فأنْكَرَها الناسُ. فقال علىٌّ رضىِ اللَّه عنه: دَعُوه. فلما نزَلَ سأَلُوه عمَّا قال، فلم يعْتَرِفْ به، وكان قد بعَثَ سارِيَةَ إلى ناحِيَةِ العراقِ لغَزْوِهم (١٢)، فلمّا قَدِمَ ذلك الجيشُ أخْبَرُوا أنَّهم لَقُوا عَدُوَّهم يومَ جُمُعَةٍ، فظهرَ عليهمْ، فسَمِعُوا صوتَ عمرَ، فتَحيزَوُا إلى الجبلِ، فَنَجَوا من عَدُوِّهم وانْتَصَرُوا عليهم (١٣). وأمَّا التَّحَيُّزُ إلى فِئَةٍ، فهو أن يصيرَ إلى فِئَةٍ من المسلمين، ليكونَ معهم، فيَقْوَى (١٤) بهم على عَدُوِّه (١٥). وسواء بَعُدَت المسافةُ أو قَرُبَتْ. قال القاضى: لو كانَتْ الفِئةُ بخُراسانَ، والفئةُ بالحجازِ، جازَ التَّحَيُّزُ إليها. ونحوَه ذكرَ أصْحابُ (١٦) الشافِعِىِّ؛ لأنَّ ابنَ عمر رَوَى، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنِّى فِئَةٌ لَكُمْ". وكانُوا بمكانٍ بعيدٍ منه. وقال عمرُ: أنا فِئَهُ كُلِّ مُسْلِم. وكان بالمدينةِ وجُيوشُه بمصرَ والشَّامِ والعراقِ وخُراسانٍ. روَاهما سعيدٌ (١٧). وقال عمرُ: رَحِمَ اللَّه أبا عُبَيْدَةَ، لو كان تحيَّزَ إلىَّ، لكُنْتُ له فِئَةً (١٨). وإذا خَشِىَ الأَسْرَ، فالأَوْلَى له أن يقاتلَ حتّى يُقْتَلَ، ولا يُسَلِّمُ نفسَه للأسْرِ؛ لأنَّه يفوزُ بالثَّوابِ (١٩) والدرجَةِ (٢٠) الرَّفِيعَةِ، ويسْلَمُ من تَحَكُّمِ الكُفَّارِ عليه بالتَّعْذِيبِ والاسْتِخْدامِ والفِتْنةِ. وإِنْ استأسرَ جازَ؛ لما رَوَى أَبو هُرَيْرةَ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعَثَ عشرةً عَيْنًا، وأمَّرَ عليهم عاصمَ بن ثابِت، فنَفَرَت (٢١) إليهم


(١٢) فى أ، ب: "ليغزوهم".
(١٣) ذكر طرقه فى كنز العمال ١٢/ ٥٧١ - ٥٧٤.
(١٤) فى ب: "يتقوى".
(١٥) فى م: "عدوهم".
(١٦) سقط من: م.
(١٧) فى: باب من قال: الإِمام فئة كل مسلم، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٠٩، ٢١٠.
كما أخرجهما البيهقى، فى: باب من تولى متحرفًا لقتال. . .، من كتاب السير ٩/ ٧٦، ٧٧.
وأخرج الأول أبو داود، فى: باب فى التولى يوم الزحف، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٤٣. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الفرار من الزحف، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى ٧/ ٢١٣. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٥٨، ٧٠، ٩٩، ١٠٠، ١١١.
(١٨) أخرجه البيهقى، فى: باب من تولى متحرفا لقتال. . .، من كتاب السير ٩/ ٧٧.
(١٩) فى الأصل، ب، م: "بثواب".
(٢٠) سقطت الواو من: م.
(٢١) فى ب: "فنفروا".

<<  <  ج: ص:  >  >>