للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس له قَطْعُها. ولَنا، أنَّه قَطَعَها ببَذْلِ صاحبِها، فلم يجبْ عليه القِصاصُ، كما لو عَلِمَ باذِلُها. وإن كان جاهِلًا، فلا تَعْزِيرَ عليه، وعليه الضَّمانُ بالدِّيَةِ؛ لأنَّه بذَلَها له (١٧) على وَجْهِ البَذْلِ، فكانتْ مَضْمُونةً عليه، ولأنَّها مَضْمُونةٌ لو كان القاطِعُ عالمًا بها، وما وَجَبَ ضَمانُه في العَمْدِ، وَجَبَ في الخَطإِ، كإتْلافِ المالِ، والقِصاصُ باقٍ له في اليَمِينِ، ولا تُقْطَعُ حتى تَنْدَمِلَ الْيَسارُ، فإذا انْدَمَلَتْ، فله قَطْعُ الْيَمِينِ (١٨)، فإن عَفَا، وَجَبَ بَدَلُها، ويتقاصَّان، وإن سَرَتِ اليَسارُ إلى نفسِه، كانت مَضْمونةً بالدِّيَةِ الكاملةِ، وقد تعذَّرَ قَطْعُ اليَمِينِ (١٨)، ووَجَبَ له نِصْفُ الدِّيَةِ، فيتقاصَّان به، ويَبْقَى نِصْفُ الدِّيَةِ لِوَرَثةِ الجانِى. وإن اخْتَلَفَا في بَذْلِها، فقال الجانِى: إنَّما بذَلْتُها بَدَلًا عن اليَمِينِ. وقال المَجْنِىُّ عليه: بذَلْتَها بغيرِ (١٩) عِوَضٍ. أو قال: أخْرَجْتُها دَهْشَةً. فقال: بل عالِمًا. فالقولُ قولُ الجانِى؛ لأنَّه أعْلَمُ بنِيَّتِه، ولأنَّ الظاهِرَ أنَّ الإِنسانَ لا يَبْذُلُ طَرَفَه للقَطْعِ تَبَرُّعًا، مع أنَّ عليه قَطْعًا مُسْتَحقًّا. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. وإن كان باذِلُ اليَسارِ مجنونًا مثل أن يُجَنَّ بعدَ وُجُوبِ القِصاصِ عليه، فعلى قاطِعِها ضَمانُها بالقِصاصِ إن كان عالِمًا، وبالدِّيَةِ إن كان مُخْطِئًا؛ لأنَّ بَذْلَ المجنونِ ليس بشُبْهةٍ. وإن كان مَنْ له القِصاصُ مجنونًا، ومَن عليه القِصاصُ عاقِلًا، فأخْرَجَ إليه يَسارَه أو يَمِينَه فقَطَعها، ذَهَبَتْ هَدْرًا؛ لأنَّه لا يَصِحُّ منه الاسْتِيفاءُ، ولا يجوزُ البَذْلُ له، ولا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أتْلَفَها ببَذْلِ صاحِبها، لكنْ إن كان المقطوعُ اليُمْنَى، وقد (٢٠) تعَذَّرَ استيفاءُ القِصاصِ فيها لتَلَفِها، فيكونُ للمَجْنُونِ دِيَتُها. وإن وَثَبَ المجنونُ عليه فقَطَعَ يَدَه التي لا قِصاصَ فيها، فعلى عاقِلَتِه دِيتُها، وله القِصاصُ في الأُخْرَى، وإن قَطَعَ الأُخْرَى، فهو مُسْتَوْفٍ حَقَّه، في أحَدِ الوَجْهينِ؛ لأنَّ حَقَّه مُتَعَيِّنٌ فيها، فإذا أخَذَها قَهْرًا، سَقَطَ حَقُّه، كما لو أتْلَفَ وَدِيعَتَه. والثاني، لا يَسْقُطُ حقُّه، وله عَقْلُ يَدِه، وعَقْلُ يَدِ الجاني على عاقِلَتِه؛


(١٧) سقط من: ب، م.
(١٨) في الأصل: "اليمنى".
(١٩) في م: "في غير".
(٢٠) في الأصل، م: "فقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>