للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك مَقامَ النُّطْقِ، بدليلِ أنَّه لا فَرْقَ بين قَوْلِه: خُذْ هذا فكُلْه. وبين اسْتِدْعاءِ ذلك منه، فيُعْطِيه إيَّاه. ويفارِقُ هذا ما لو قَطَعَ يَدَ إنسانٍ وهو ساكِتٌ؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه البَذْلُ، ويُنْظَرُ في المُقْتَصِّ، فإن فَعَلَ ذلك عالِمًا بالحالِ (١٢)، عُزِّرَ؛ لأنَّه مَمْنُوعٌ منه لحَقِّ اللَّه تعالى. وهل يَسْقُطُ القِصاصُ في الْيَمِينِ؟ على وَجْهَيْن؛ أحدهما، يسقطُ؛ لأنَّ قاطِعَ اليَسارِ تَعَدَّى بقَطْعِها، ولأنَّه قَطَعَ إحْدَى يَدَيْه، فلم يَمْلِكْ قَطْعَ اليَدِ الأُخْرَى، كما لو قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ اليُسْرَى مَكان يَمِينِه، فإنَّه لا يَمْلِكُ قَطْعَ يَمِينِه. والوَجْهُ الثاني، أنَّه لا يَسْقُطُ. وهو مذهبُ الشافعىِّ. وفَرّقُوا بين القِصاصِ وقَطْعِ السارِقِ من ثلاثة أوْجُه؛ أحدها، أنَّ الحَدَّ مَبْنِىٌّ على الإِسْقاطِ، بخلافِ القِصاصِ. والثانى، أنَّ (١٣) اليَسارَ لا تُقْطَعُ في السَّرِقةِ وإن عُدِمَتْ يَمينُه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ مَنْفَعةَ الجِنْسِ في الحَدِّ، بخِلافِ القِصاصِ. والثالث، أنَّ اليَدَ لو سَقَطَتْ بأكِلَةٍ (١٤) أو قِصاصٍ، سَقَطَ القَطْعُ في السَّرِقةِ، فجاز أن يَسْقُطَ بقَطْعِ (١٥) اليَسارِ، بخلافِ القِصاصِ، فإنَّه لا يَسْقُطُ، ويَنْتَقِلُ إلى البَدَلِ، لكن لا تُقْطَعُ يَمِينُه حتى تَنْدَمِلَ يَسارُه؛ لئلَّا يُؤَدِّىَ إلى ذهابِ نَفْسِه. فإن قيل: أليس لو قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ ويَسارَ آخرَ، لم يُؤَخَّرْ أحَدُهما إلى انْدِمالِ الآخَرِ؟ قُلْنا: الفَرْقُ بينهما أنَّ القَطْعَيْنِ مُسْتَحقَّانِ قِصاصًا، فلهذا جَمَعْنا بينهما، وفي مَسْأَلَتِنا أحَدُهما غيرُ مُسْتَحَقٍّ، فلم نَجْمَعْ بينهما، فإذا انْدَمَلَتِ الْيَسارُ قَطَعْنا اليَمِينَ، فإن سَرَى قَطْعُ اليسارِ إلى نَفْسِه، كانت هَدْرًا، ويجبُ في تَرِكَتِه دِيَةُ اليَمِينِ (١٦)؛ لتَعَذُّرِ الاسْتِيفاءِ فيها بمَوْتِه. وإن قال المُقْتَصُّ منه: لم أعْلَمْ أنَّها اليَسارُ، أو ظَنَنْتُ أنَّها تُجْزِئُ عن اليَمِينِ. نَظَرْتَ في المُسْتَوْفِى، فإن عَلِمَ أنَّها يَسارُه، وأنَّها لا تكونُ قِصاصًا، ضَمِنَها بدِيَتِها ويُعَزَّرُ. وقال بعضُ الشافعيةِ: عليه القِصاصُ؛ لأنَّه قَطَعَها مع العِلْمِ بأنَّه


(١٢) في ب: "بحال".
(١٣) سقط من: الأصل.
(١٤) الأكلة، كفَرِحَة: داء في العضو يأتكل منه.
(١٥) في ب: "بقلع".
(١٦) في ب: "اليمنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>