للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِهم، ولا يُقْبَلُ إقْرارُ شَخْصٍ على غيرِه، ولأنَّه يُتَّهَمُ في أن يُواطِئَ مَنْ يُقِرُّ له بذلك ليَأْخُذَ الدِّيَةَ مِن عاقِلَتِه، فيُقاسِمَه إيَّاها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَلْزَمُه ما اعْتَرفَ به، وتَجِبُ الدِّيَةُ عليه حالَّةً في مالِه، في قولِ أكْثَرِهم. وقال أبو ثَوْرٍ، وابنُ عبدِ الحَكَمِ: لا يَلْزَمُه شيءٌ، ولا يَصِحُّ إقْرارُه؛ لأنَّه مُقِرٌّ على غيرِه لا على نَفْسِه، ولأنَّه لم يَثْبُتْ مُوجَبُ إقْرارِه، فكان باطِلًا، كما لو أقَرَّ على غيرِه بالقَتْلِ. ولَنا، قولُه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (١٢). ولأنَّه مُقِرٌّ على نَفْسِه بالجِنَايةِ المُوجِبَةِ للمالِ، فصَحَّ إقْرارُه، كما لو أقَرَّ بإتْلافِ مالٍ، أو بما لا تَحْمِلُ دِيَتَه العاقِلَةُ، ولأنَّه مَحَلٌّ مَضْمُونٌ، فيَضْمَنُ إذا اعْتَرفَ به، كسائرِ المَحَالِّ، وإنَّما سَقَطَتْ عنه الدِّيَةُ في مَحَلِّ الوِفَاقِ، لتَحَمُّلِ العاقِلَةِ لها، فإذا لم تَحْمِلْها، وجَبَتْ عليه، كجِنَايةِ المُرْتَدِّ.

المسألة الخامسة: أنَّها لا تَحْمِلُ ما دُونَ الثُّلُثِ. وبهذا قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، ومالكٌ، وإسْحاقُ، وعبدُ العزيز (١٣) بن أبي سَلَمةَ. وبه قال الزُّهْرِىُّ، وقال: لا تَحْمِلُ الثُّلثَ أيضًا. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: تحْمِلُ السِّنَّ، والمُوضِحَةَ، وما فَوْقَهما (١٤)؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ الغُرَّةَ التي في الجَنِينِ على العاقِلةِ (١٥)، وقِيمَتُها نِصْفُ عُشرِ الدِّيَةِ، ولا تَحْمِلُ ما دُونَ ذلك؛ لأنَّه ليس فيه أرْشٌ مُقَدَّرٌ. والصَّحِيحُ عن الشافعيِّ، أنَّها تحْمِلُ الكَثِيرَ والقليلَ؛ لأنَّ مَنْ حَمَلَ الكثيرَ حَمَلَ القليلَ، كالجانِى في العَمْدِ. ولَنا، ما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قَضَى في الدِّيَةِ أن لا يُحْمَلَ منها شيءٌ حتى تَبْلُغَ عَقْلَ المَأْمُومةِ (١٦). ولأنَّ مُقْتَضَى الأصْلِ وُجُوبُ الضَّمانِ على الجانِى؛


(١٢) سورة النساء ٩٢.
(١٣) في م زيادة: "وعمر". خطأ.
(١٤) في م: "فوقها".
(١٥) تقدم تخريجه، في: ١١/ ٤٤٩، ٤٦٣.
(١٦) لم نجده فيما بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>