للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرَ مِلْكِه، ولا إذْنَ له فى بَيْعِه، تَصْحِيحًا لِلعَقْدِ أيضًا. وقد أمكن التَّصْحِيحُ هاهُنا، بِجَعْلِ الجِنْسِ فى مُقابَلَةِ غيرِ الجِنْسِ، أو جَعْلِ غيرِ الجِنْسِ فى مُقابَلَةِ الزَّائِدِ على المِثْلِ. ولنا، ما رَوَى فَضالَةُ بنُ عُبَيْدٍ، قال: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقِلَادَةٍ فيها ذَهَبٌ وخَرَزٌ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أو سَبْعَةِ دَنَانِيرَ. فقال النبىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا". قال: فَرَدَّهُ حتى مَيَّزَ بَينهما. رَواهُ أبُو داودَ (١٣). وفى لَفْظٍ رَواهُ (١٤) مُسْلِمٌ (١٥). قال: فأمَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذَّهَبِ الذى فى القِلادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَه ثم قال لهم رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ". ولأنَّ العَقْدَ إذا جَمَعَ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَىِ الجِنْسِ، وَجَبَ أنْ يَنْقَسِمَ أحَدُهما على الآخَرِ، على قَدْرِ قِيمَةِ الآخَرِ فى نَفْسِه، فإذا اخْتَلَفَتِ القِيمَةُ اخْتَلَفَ ما يَأْخُذُه من العِوَضِ. بَيانُه، أنَّه إذا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، قِيمَةُ أحَدِهما مِثلُ نِصْفِ قِيمَةِ الآخَرِ بِعَشَرَةٍ، كان ثَمَنُ أحَدِهما ثُلثَىِ العَشَرَةِ، والآخَرِ ثُلُثَها، فلو رَدَّ أحَدَهُما بِعَيْبٍ، رَدَّهُ بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، ولذلك إذا اشْتَرَى شِقْصًا (١٦) وسَيْفًا بِثَمَنٍ، أخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، فإذا فَعَلْنا هذا فِى مَنْ باعَ دِرْهَمًا ومُدًّا قِيمَتُه دِرْهمانِ، بِمُدَّيْنِ قِيمَتُهُما ثلاثةٌ، حصل الدِّرْهَمُ فى مُقابلةِ ثُلُثَىْ مُدٍّ. والمُدُّ الذى مع الدِّرْهَمِ فى مُقابَلَةِ مُدٍّ وثُلُثٍ، فهذا إذا تَفاوَتَتِ القِيَمُ، ومع التَّساوِى يُجْهَلُ ذلك؛ لأنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وتَخْمِينٌ، والجَهْلُ بِالتَّساوِى كَالعِلْمِ بِعَدَمِه فى بابِ الرِّبا، ولذلك، لم يَجُزْ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِصُبْرَةٍ، بالظَّنِّ والخَرْصِ. وقَوْلُهم: يَجِبُ تَصْحِيحُ العَقْدِ. ليس كذلك، بل يُحْمَلُ


(١٣) فى: باب فى حلية السيف تباع بالدراهم، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٣، ٢٢٤.
كما أخرجه مسلم، فى: باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢١٣. والترمذى، فى: باب ما جاء فى شراء القلادة وفيها ذهب وخرز، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٦٠. والنسائى، فى: باب بيع القلادة فيها الخرز والذهب بالذهب، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٤٥.
(١٤) فى م: "رواية".
(١٥) فى: باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢١٣.
(١٦) الشقص، بالكسر: السهم والنصيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>