للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْنَعُ بقَدْرِه. وقد أومأَ أحمدُ إلى مثل هذا، فإنَّه قال، فى أربعةِ بَنِينَ تركَ أبوهم دارًا وعليه دَينٌ، فقال أحدُ البَنِينَ: أنا أُعْطِى، ودَعُوا لى الرُّبعَ. فقال أحمدُ: هذه الدَّارُ للغُرَماءِ، لا يَرثون شيئًا حتى يُؤدُّوا (٦) الدَّينَ. وهذا يدُلُّ أنَّها لم تنتقلْ إليهم عندَه؛ لأنَّه مَنَعَ (٧) الوارثَ من إمْساكِ الرُّبعِ بدَفْعِ قِيمَتِه؛ لأنَّ الدَّينَ لم يَثْبُتْ فى ذِمَمِ الوَرثةِ، فيَجِبُ أن يَتعلَّقَ بالتَّرِكِة. والمذهبُ الأوَّلُ، ولهذا قُلْنا: إِنَّ الغريمَ لا يَحْلِفُ على دَينِ الميِّتِ. وذلك لأنَّ (٨) الدَّينَ مَحَلُّه الذِّمَّةُ، وإنما يَتعلَّقُ بالتَّركِةِ، فيتخيَّرُ الوَرثةُ بين [قَضاءِ الدَّينِ] (٩) منها، أو مِن غيرِها، كالرَّهْنِ والجانِى، ولهذا لا يَلْزَمُ الغُرماءَ (١٠) نَفَقةُ العبيدِ، ولا يكونُ نَماءُ التَّركةِ لهم، ولأنَّه لا يَخْلُو مِن أن تَنْتقِلَ إلى الوَرثةِ، أو إلى الغُرَماءِ، أو تَبْقَى للميِّتِ، أو لا تَكونَ لأحدٍ، لا يجوزُ أن تَنْتقِلَ إلى الغُرَماءِ؛ لأنَّها لو انْتقَلتْ إليهم، لَزِمَهم نَفَقةُ الحيوانِ (١١)، وكان نَماؤُها لهم غيرَ مَحْسوبٍ مِن دَيْنِهم، ولا يجوزُ أن تَبْقَى للميِّتِ؛ لأنَّه لم يَبْقَ أهْلًا للمِلْكِ، ولا يجوزُ أن [لا تَكونَ] (١٢) لأحَدٍ؛ لأنَّه مالٌ مَمْلُوكٌ، فلابُدَّ مِن مالكٍ؛ ولأنَّها لو بَقِيَتْ بغَيرِ مالِكٍ، لأُبيحَتْ لمَن يَتَملَّكُها، كسائِرِ المُباحاتِ، فثَبَتَ أنَّها انْتَقَلَتْ إلى الوَرثةِ. فعلى هذا، إذا نَمَتِ التَّركِةُ، مثل أَنْ غَلَتِ الدَّارُ، وأثْمرَتِ النَّخيلُ، ونُتِجَتِ الماشيةُ، فهو للوارِثِ، يَنْفرِدُ به، لا يتَعلَّقُ به حقُّ الغُرماءِ؛ لأنَّه نَماءُ مِلْكِه، فأشْبَهَ كَسْبَ الجانى. ويَحْتمِلُ أن يَتعلَّقَ به حقُّ الغُرَماءِ؛ كنَماءِ الرَّهْنِ. ومَن اخْتارَ الأوَّلَ، قال: تَعَلُّقُ الحقِّ بالرَّهنِ آكَدُ؛ لأنَّه ثَبَتَ باخْتيارِ المالكِ ورِضاهُ، ولهذا مُنِعَ التَّصرُّفُ فيه، وهذا يَثْبُتُ بغَيرِ رضَى المالِكِ، ولم يُمْنَعِ التَّصرفُ، فكان أشْبَهَ بالجَانِى. وعلى الروايةِ الأُخْرَى، يَكونُ نَماءُ التَّركِةِ حُكْمُه حُكمُ التَّركِةِ، وما يُحْتاجُ إليه من المُؤْنَةِ منها. وإن تَصرَّفَ الوَرَثةُ فى التَّركِةِ، بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو قِسْمَةٍ، فعلى الرِّوايةِ الأُولَى، تَصرُّفُهم صَحيحٌ، فإن قَضُوا الدَّيْنَ وإلَّا نُقِضَتْ


(٦) فى أ: "يوفوا".
(٧) فى م: "يمنع".
(٨) فى أ، م: "أن".
(٩) فى أ: "قضائه".
(١٠) فى ب، م: "للغرماء".
(١١) فى أ: "الحيوانات".
(١٢) فى أ، ب: "تكون لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>