للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيَكُونُ بَيْعُه تَفْوِيتًا للحَظِّ. فإنِ احْتِيجَ إلى بَيْعِه، جازَ. نَقَلَ أبو داوُدَ عن أحمدَ: يَجُوزُ للوَصِيِّ بَيْعُ الدُّورِ على الصِّغارِ، إذا كان نَظَرًا (١٢) لهم. وبه قال الثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ، وإسحاقُ، قالوا: يَبِيعُ إذا رأى الصَّلاحَ. قال القاضى: لا يجوزُ إلَّا فى مَوْضِعَيْنِ؛ أحَدِهما، أنْ يكونَ به ضَرُورَةٌ إلى كِسْوَةٍ، أو نَفَقَةٍ، أو قضاءِ دَيْنٍ، أو ما لابُدَّ مِنه، وليس له ما تَنْدَفِعُ به حاجَتُه. الثّانِى، أنْ يكونَ فى بَيْعِه غِبْطَةٌ؛ وهو أنْ يُدْفَعَ فيه زِيادَةٌ كَثِيرَةٌ على ثَمَنِ المِثْلِ. قال أبو الخَطّابِ: كالثُّلُثِ ونَحْوِه. أو يَخافُ عليه الهَلاكُ بغَرَقٍ أو خَرابٍ، أو نَحْوِه. وهذا مذهبُ الشّافِعِيِّ. وكَلامُ أحمدَ يَقْتَضِى إباحَةَ البَيْعِ فى كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ نَظَرًا لهم، ولا يَخْتَصُّ بما ذَكَرُوه. وقد يَرَى الوَلِيُّ الحَظَّ فى غيرِ هذا، مِثْلُ أنْ يكونَ فى مَكانٍ لا يَنْتَفِعُ به، أو نَفْعُه قَلِيلٌ، فيَبِيعُه ويَشْتَرِى له فى مكانٍ يَكْثُرُ نَفْعُه، أو يَرى شَيْئًا فى شِرائِه غِبْطَةٌ، ولا يُمْكِنُه شِراؤُه إلَّا ببَيْعِ عَقارِه. وقد تكونُ دارُه فى مكانٍ يَتَضَرَّرُ الغُلامُ بالمُقَامِ فيها، لسُوءِ الجِوارِ أو غيرِه، فيَبِيعُها، ويَشْتَرِى له بثَمَنِها دارًا يَصْلُحُ له المُقَامُ بها، وأشباهُ هذا مِمَّا لا يَنْحَصِرُ. وقد لا يَكُونُ له حَظٌّ فى بَيْعِ عَقارِهِ، وإنْ دُفِعَ فيه (١٣) مِثْلَا ثَمَنِه، إمَّا لحاجَتِه إليه، وإمَّا لأنَّه لا يُمْكِنُ صَرْفُ ثَمَنِه فى مِثْلِه، فيَضِيعُ الثَّمَنُ، ولا يُبَارَكُ فيه. فقد جاءَ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ بَاعَ دَارًا، أوْ عَقَارًا، وَلَمْ يَصْرِفْ ثَمَنَهُ فى مِثْلِه، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ" (١٤). فلا يجوزُ بَيْعُه إذًا، فلا مَعْنَى لتَقْيِيدِه بما ذَكَرُوه فى الجَوازِ، ولا فى المَنْعِ، بل متى كان بَيْعُه أحَظَّ له، جازَ [بَيْعُه، وإلَّا] (١٥) فلا.


(١٢) النَّظَر: الإِعَانَة، ويُعَدَّى باللام. تاج العروسِ (ن ظ ر).
(١٣) فى الأصل: "فيها".
(١٤) أخرجه ابن ماجه، فى: باب من باع عقارا ولم يجعل ثمنه فى مثله، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٣٢. والدارمى، فى: باب فى من باع دارا فلم يجعل ثمنها فى مثلها، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٧٣. والإِمام أحمد، فى المسند ٤/ ٣٠٧.
(١٥) فى الأصل: "وما".

<<  <  ج: ص:  >  >>