للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان وَاجِبًا [لم يُبَحْ فِطْرُهُ] (٦)، فإنَّما سُمِّىَ الإِمْسَاكُ صِيَامًا تَجَوُّزًا، بِدَلِيلِ قَوْلِه: "وَمَنْ كَانَ أصْبَحَ مُفُطرًا، فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ". ولم يُفَرِّقْ بين المُفْطِرِ بالأكْلِ وغيرِه. وقد رَوَى البُخَارِىُّ (٧)، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ رَجُلًا: "أنْ أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ مَنْ كَانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِه". وإمْساكُ بَقِيَّةِ اليَوْمِ بعد الأكْلِ ليس بصِيامٍ شَرْعِىٍّ، وإنَّما سَمَّاهُ صِيَامًا تَجَوُّزًا. ثم لو ثَبَتَ أنَّه صِيَامٌ فالفَرْقُ بين ذلك وبين رمضانَ، أنَّ وُجُوبَ الصِّيامِ تَجَدَّدَ في أثْناءِ النَّهَارِ، فأجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ حين تَجَدَّدَ الوُجُوبُ، كمَن كان صَائِمًا تَطَوُّعًا، فنَذَرَ إتْمامَ صَوْمِ بَقِيَّة يَوْمِه، فإنَّه تُجْزِئُه نِيَّتُه عندَ نَذْرِه، بخِلافِ ما إذا كان النَّذْرُ مُتَقَدِّمًا. والفَرْقُ بينَ التَّطَوُّعِ والفَرْضِ مِن وَجْهَيْنِ؛ أحدِهما، أنَّ التَّطَوُّعَ يُمْكِنُ الإِتْيَانُ به في بَعْضِ النَّهَارِ، بِشَرْطِ عَدَمِ المُفْطِرَاتِ في أوَّلِه، بِدَلِيلِ قَوْلِه عليه السَّلامُ في حَدِيثِ عَاشُورَاءَ: "فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِه" فإذا نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ مِنَ النَّهارِ كان صَائِمًا بَقِيَّةَ النَّهارِ دُونَ أَوَّلِه، والفَرْضُ يجبُ (٨) في جَمِيعِ النَّهَارِ، ولا يكونُ صَائِما بغيرِ النِّيَّةِ. والثانى، أنَّ التَّطَوُّعَ سُومِحَ في نِيَّتِه من اللَّيْلِ تَكْثِيرًا له، فإنَّه قد يَبْدُو له الصَّوْمُ في النَّهَارِ، فاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ في اللَّيْلِ يَمْنَعُ ذلك، فسَامَحَ الشَّرْعُ فيها، كمُسَامَحَتِه في تَرْكِ القِيامِ في صلاةِ التَّطَوُّعِ، وتَرْكِ الاسْتِقْبَالِ فيه في السَّفَرِ تَكْثِيرًا له، بخِلافِ الفَرْضِ. إذا ثَبَتَ هذا ففى أيِّ جُزْءٍ من اللَّيْلِ نَوَى أجْزَأَهُ، وسَوَاءٌ فَعَلَ بعد النِّيَّةِ ما يُنافِى الصَّوْمَ من الأكْلِ والشُّرْبِ والجِمَاعِ، أو (٩) لم يَفْعَلْ. واشْتَرَطَ بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ أن لا يَأْتِى بعدَ النِّيَّةِ بِمُنافٍ لِلصَّوْمِ. واشْتَرَطَ بَعْضُهْم وُجُودَ النِّيَّةِ في النِّصْفِ الأَخِيرِ من اللَّيْلِ، كما اخْتَصَّ أذانُ الصُّبْحِ والدَّفْعُ من مُزْدَلِفَةَ به. ولَنا، مَفْهُومُ قَوْلِه عليه


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٣٣٣.
(٨) في م: "يكون واجبا".
(٩) في م: "أم".

<<  <  ج: ص:  >  >>