للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُهْدِينَهُ" (١٥). ولأنَّ العَادَةَ السَّمَاحُ بذلك، وطِيبُ النَّفْسِ، فجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإذْنِ، كما أنَّ تَقْدِيمَ الطَّعَامِ بين يَدَىِ الأَكَلَةِ قَامَ مَقامَ صَرِيحِ الإذْنِ فى أَكْلِهِ. والرِّواية الثانية، لا يجوزُ؛ لما رَوَى أبو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، قال: سَمِعْتُ رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقولُ: "لَا تُنْفِقُ الْمَرْأةُ شَيْئًا من بَيْتِها إلَّا بإذْنِ زَوْجِها". قيل: يا رسول اللَّه ولا الطَّعَامَ؟ . قال: "ذاكَ أفْضَلُ أموَالِنا". رَوَاهُ سَعِيدٌ فى "سُنَنِه" (١٦). وقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (١٧). وقال: "إنَّ اللَّه حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وأمْوَالَكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِى شَهْرِكُمْ هذَا، فِى بَلَدِكُمْ هذا" (١٨). ولأنَّه تَبَرَّعَ بمَالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلم يَجُزْ، كغيرِ الزَّوْجَةِ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ الأحادِيثَ فيها خَاصَّةٌ صَحِيحَةٌ، والخاصُّ يُقَدَّمُ على العَامِّ ويُبَيِّنُه، ويُعَرِّفُ أنَّ المُرادَ بالعَامِّ غيرُ هذه الصُّورَةِ المَخْصُوصَةِ، والحَدِيثُ الخاصُّ لهذه الرِّوَايَةِ ضَعِيفٌ، ولا يَصِحُّ قِيَاسُ المرأةِ على غيرِها؛ لأنَّها بِحُكْمِ العادَةِ تَتَصَرَّفُ فى مالِ زَوْجِهَا، وتَتَبَسَّطُ فيه، وتَتَصَدَّقُ منه، لِحُضُورِها وغَيْبَتِه، والإِذْنُ العُرْفِيُّ يَقُومُ مَقامَ الإِذْنِ الحَقِيقِيِّ، فصارَ كأنَّه قال لها: افْعَلِى هذا. فإنْ مَنَعَها ذلك، وقال: لا تَتَصَدَّقِى بشَىْءٍ، ولا تَتَبَرَّعِى من مَالِى بِقَلِيلٍ، ولا كَثِيرٍ. لم يَجُزْ لها ذلك؛ لأنَّ المَنْعَ الصَّرِيحَ نَفْىٌ للإِذْنِ العُرْفِيِّ. ولو كان فى بَيْتِ الرَّجُلِ من يَقُومُ مَقَامَ امْرَأَتِه كجارِيَتِه، أو أُخْتِه. أو غُلَامِهِ المُتصَرِّفِ فى بَيْتِ سَيِّدِه وطَعَامِه، جَرَى


(١٥) أخرجه أبو داود، فى: باب المرأة تتصدق من بيت زوجها، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٩٢. وابن أبي شيبه، فى: باب المرأة تصدق من بيت زوجها، من كتاب البيوع والأقضية. المصنِّف ٦/ ٥٨٥.
(١٦) وأخرجه أبو داود، فى: باب فى تضمين العارية، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٦. والترمذى، في: باب فى نفقة المرأة من بيت زوجها، من أبواب الزكاة، وفى: باب ما جاء لا وصية لوارث، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذى ٣/ ١٧٦، ١٧٧، ٨/ ٢٧٦ وابن ماجه، فى: باب ما للمرأة من مال زوجها، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٠ والإِمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢٦٧.
(١٧) أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٧٢. والدارقطني، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى ٣/ ٢٦.
(١٨) انظر تخريج حديث جابر فى: ٥/ ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>