للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنْواعِ؛ لأنَّها دُونَه، فإذا عَمَّمَ أو أطْلَقَ، تَنَاوَلَ الأَكْثَرَ، وكان له ما دونه، ويُخالِفُ الأجْناسَ المُخْتلِفَةَ؛ فإنَّه لا يَدْخُلُ بعضُها في بعضٍ. فإن قِيلَ: فلو اكْتَرَى دَابّةً لِلرُّكُوبِ، لَوَجَبَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ. قُلْنا: لأنَّ إجَارَةَ المَرْكُوبِ لأَكْثَرِ الرُّكَّابِ ضَرَرًا لا تجوزُ، بخِلَافِ المَزْرُوعِ، ولأنَّ لِلْحَيَوانِ حُرْمَةً في نَفْسِه، فلم يَجُزْ إطْلَاقُ ذلك فيه، بخِلَافِ الأرْضِ. فإن قِيلَ: فلو اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى مُطْلَقًا، لم يَجُزْ أن يُسْكِنَها مَن يَضُرُّ بها، كالقَصَّارِ والحَدَّادِ، فَلِمَ قُلْتُم إنَّه يجوزُ أن يَزْرَعَها ما يَضُرُّ بها؟ قُلْنا: السُّكْنَى لا تَقْتَضِي ضَرَرًا، فلذلك مُنِعَ من إسْكَانِ مَن يَضُرُّ بها؛ لأنَّ العَقْدَ لم يَقْتَضِهِ، والزَّرْعُ يَقْتَضِى الضَّرَرَ، فإذا أطْلَقَ كان راضِيًا بأكثَرِه، فلهذا جازَ. وليس له أن يَغْرِسَ في هذه الأرْضِ، ولا يَبْنِىَ؛ لأنَّ ضَرَرَه أكْثَرُ من المَعْقُودِ عليه.

المسألة الثانية، أكْرَاهَا (٣١) لِزَرْعِ حِنْطَةٍ، أو نوعٍ بِعَيْنِه، فإنَّ له زَرْعَ ما عَيَّنَهُ (٣٢) وما ضَرَرُه كَضَرَرِه أو دُونَه. ولا يَتَعَيَّنُ ما عَيَّنَه في قولِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، إلَّا دَاوُدَ وأهْلَ الظاهِرِ، فإنَّهم قالوا: لا يجوز له زَرْعُ غيرِ ما عَيَّنَه، حتى لو وَصَفَ الحِنْطَةَ بأنَّها سَمْرَاءُ، لم تجُزْ له أن يَزْرَعَ بَيْضَاءَ؛ لأنَّه عَيَّنَه بالعَقْدِ، فلم يَجُز العُدُولُ عنه، كما لو عَيَّنَ المَرْكُوبَ، أو عَيَّنَ الدَّرَاهِمَ في الثَّمَنِ. ولَنا، أنَ المَعْقُودَ عليه مَنْفَعَةُ الأرْضِ دُونَ القَمْحِ، ولهذا اسْتَقَرَّ (٣٣) عليه العِوَضُ بِمُضِيِّ المُدَّةِ، إذا تَسَلَّمَ الأرْضَ. وإن لم يَزْرَعْها، وإنَّما ذَكَرَ القَمْحَ لِتُقَدَّرَ به المَنْفَعَةُ، فلم يَتَعَيَّنْ، كما لو اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَها، كان له أن يُسْكِنَها غيرَه. وفارَقَ المَرْكُوبَ، والدَّرَاهِمَ في الثّمَنِ، فإنَّهما مَعْقُودٌ عليهما، فتَعَيَّنَا، والمَعْقُودُ عليه ههُنا مَنْفَعَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وقد تَعَيَّنَتْ أيضًا، ولم يَتَعَيَّنْ ما قُدِّرَتْ به، كما لا يَتَعَيَّنُ المِكْيالُ والمِيزانُ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ،

المسألة الثالثة، قال: لِيَزْرَعَها حِنْطةً، وما ضَرَرُه كضَرَرِها، أو دونَه. فهذه


(٣١) في ب: "اكتراها".
(٣٢) في ب، م: "يعينه".
(٣٣) في م: "يستقر".

<<  <  ج: ص:  >  >>