للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالتْ عائشةُ، رَضِىَ اللَّه عنها: السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أن لا يَخْرُجَ إلَّا لما لا بُدَّ له منه. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (١). وقالتْ أيضًا: كان رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اعْتَكَفَ يُدْنى إلىَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُه، وكان لا يَدْخُلُ البَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ. مُتَّفَقٌ عليه (٢). ولا خِلافَ في أنَّ له الخُرُوجَ لما لا بُدَّ له منه. قال ابنُ المُنْذِرِ (٣): أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ لِلْمُعْتَكِفِ أن يَخْرُجَ من مُعْتَكَفِه لِلْغَائِطِ والبَوْلِ. ولأنَّ هذا ممَّا لا بُدَّ منه، ولا يُمْكِنُ فِعْلُه لنى المسجدِ، فلو بَطَلَ الاعْتِكافُ بِخُرُوجِه إليه، لم يَصِحَّ لأحدٍ الاعْتِكافُ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَعْتَكِفُ، وقد عَلِمْنا أنَّه كان يَخْرُجُ لِقَضاءِ حاجَتِه، والمُرَادُ بِحاجَةِ الإِنْسانِ البَوْلُ والغائِطُ، كَنَى بذلك عنهما؛ لأنَّ كُلَّ إنْسانٍ يَحْتاجُ إلى فِعْلِهما، وفى مَعْنَاه الحاجَةُ إلى المَأْكُولِ والمَشْرُوبِ، إذا لم يَكُنْ له مَن يَأْتِيه به، فله الخُرُوجُ إليه إذا احْتاجَ إليه، وإن بَغَتَهُ القَىْءُ، فله أن يَخْرُجَ لِيَتَقَيَّأَ خارِجَ المسجدِ، وكلُّ ما لا بُدَّ له منه، ولا يُمْكِنُ فِعْلُه فى المَسْجِدِ، فله الخُرُوجُ إليه، ولا يَفْسُدُ اعْتِكافُه وهو عليه، ما لم يُطِلْ. وكذلك له الخُرُوجُ إلى ما أوْجَبَهُ اللهُ تعالى عليه، مثل مَن يَعْتَكِفُ فى مسجِدٍ لا جُمُعَةَ فيه، فيحْتاجُ إلى خُرُوجِه لِيُصَلِّىَ الجُمُعَةَ، ويَلْزَمُهُ السَّعْىُ إليها، فله الخُرُوجُ إليها، ولا يَبْطُلُ اعْتِكَافُه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَعْتَكِفُ فى غير الجامِعِ، إذا كان اعْتِكَافُه يَتَخَلَّلُه جُمُعَةٌ. فإن نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتابِعًا، فَخَرَجَ منه لِصلاةِ الجُمُعَةِ، بَطَلَ اعْتِكَافُه، وعليه الاسْتِئْنَافُ؛ لأنَّه أمْكَنَهُ فَرْضُه بحيثُ لا يَخْرُجُ منه، فبَطَلَ بِالخُرُوجِ، كالمُكَفِّرِ إذا ابْتَدَأَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ المُتَتَابِعَيْنِ فى شعبانَ أو ذِى الحِجَّةِ. ولَنا، أَنَّه خَرَجَ لِوَاجِبٍ، فلم يَبْطُلِ اعْتِكافُه، كالمُعْتَدَّةِ تَخْرُجُ لِقَضَاءِ العِدَّةِ، وكالخَارِجِ لإِنْقاذِ غَرِيقٍ، أو إطْفَاءِ حَرِيقٍ، أو أدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَتْ


(١) فى: باب المعتكف يعود المريض، من كتاب الصِّيام. سنن أبي داود ١/ ٥٧٥.
(٢) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٤٦١.
(٣) فى أ: "ابن عبد البر".

<<  <  ج: ص:  >  >>