للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسقًا؛ لما رُوِيَ عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ (٦) يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أوْقَاتِهَا، فَصَلُّوهَا لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ (٧) سُبْحَةً" (٨). ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (٩). فأمرَ بالتَّبَيُّنِ عندَ قولِ الفاسقِ، ولا يجوزُ أنْ يكونَ الحاكمُ ممَّن لا يُقْبَلُ قولُه، ويجبُ التَّبَيُّنُ عندَ حكمِه؛ ولأنَّ الفاسقَ لا يجوزُ أنْ يكونَ شاهدًا، فلئلَّا يكونَ قاضيًا أوْلَى. فأمَّا الخبرُ فأخبرَ بوُقوعِ كَوْنِهم أُمَراءَ، لا بمَشْروعيَّتِه، والنِّزاعُ في صِحَّةِ تَوْلِيَتِه، لا في وُجودِها. الشرط الثالث، أنْ يكونَ من أهلِ الاجْتهادِ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وبعضُ الحنفيَّةِ. وقالَ بعضُهم: يجوزُ أن يكونَ عامِّيًّا فيَحْكمَ بالتَّقْليدِ؛ لأنَّ الغرضَ منه فصلُ الخَصائمِ، فإذا أمْكَنَه ذلك بالتَّقليدِ جازَ، كما يُحْكَمُ بقَولِ المُقَوِّمِينَ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (١٠). ولم يقُلْ بالتَّقْليدِ، وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (١١). وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١٢). ورَوَى بُرَيْدَةُ، عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ؛ اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى (١٣) بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ". روَاه ابنُ ماجَه (١٤). والعامِّيُّ يقْضِي على الجَهْلِ (١٥)، ولأنَّ الحُكْمَ آكَدُ من الفُتْيَا؛ لأنَّه فُتْيَا


(٦) في الأصل: "أمة".
(٧) في الأصل: "معه".
(٨) تقدم تخريجه، في: ٣/ ٢١. ويضاف إليه: وأخرجه مسلم أيضا، في: باب الندب إلى وضع الأيدى. . .، من كتاب المساجد. صحيح مسلم ١/ ٣٧٩ والسبحة: النافلة.
(٩) سورة الحجرات ٦.
(١٠) سورة المائدة ٤٩.
(١١) سورة النساء ١٠٥.
(١٢) سورة النساء ٥٩.
(١٣) في الأصل: "وقضى".
(١٤) تقدم تخريجه، في: صفحة ٧.
(١٥) في ب، م: "جهل".

<<  <  ج: ص:  >  >>