للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلَ البصرَةِ قبلَ وَقْعَةِ الجملِ، ثم أمرَ أصحابَه أنْ لا يَبْدَأُوهم بالقتالِ، ثم قال: إنَّ هذا يومٌ من فَلَجَ (٥) فيه فَلَجَ (٥) يومَ القيامةِ. ثم سَمِعَهم يقولون: اللهُ أكبرُ، [يالَثاراتِ] (٦) عثمانَ. فقال: اللَّهُمَّ أكِبَّ قَتَلَةَ عثمانَ لوُجُوهِهم (٧). ورَوَى عبدُ اللَّه بنُ شَدَّادِ بنِ الهادِ (٨)، أنّ عليًّا لمَّا اعتزلَتْهُ الحَرُورِيَّةُ (٩)، بعثَ إليهم عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، فواضَعُوه كتابَ اللهِ ثلاثةَ أيامٍ، فرَجَعَ منهم أربعةُ آلافٍ (١٠). فإنْ أَبَوُا الرُّجُوعَ، وعَظَهم، وَخَوَّفَهم القِتالَ؛ وإنَّما كان كذلك، لأنَّ المقصودَ كَفُّهم، ودَفْعُ شَرِّهم، لا قَتْلُهم، فإذا أمْكَنَ بمُجَرَّدِ القَوْلِ، كان أوْلَى مِن القِتالِ؛ لما فيه مِن الضَّرَرِ بالفَرِيقَيْن. فإنْ سَألُوا الإِنْظارَ، نَظَرَ في حالهم، وبَحَثَ عن أمْرِهم، فإنْ بانَ له أنَّ قصدَهم الرُّجوعُ إلى الطَّاعةِ، ومَعْرِفةُ الحقِّ، أمْهَلَهم. قالَ ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَنْ أحْفَظُ عنه من أهلِ العِلمِ. وإنْ كان قصْدُهم الاجْتماعَ على قِتالِه، وانتظارَ مَدَدٍ يَقْوَوْنَ بِه، أو خَديعةَ الإِمامِ (١١)، ليأْخُذُوه على غِرَّةٍ، ويفترقَ عَسْكرُه، لم يُنْظِرْهم، وعاجَلَهم؛ لأنَّه لا يأْمنُ أنْ يصيرَ هذا طَريقًا إلى قَهْرِ أهلِ العَدْلِ، ولا يجوزُ هذا، وإنْ أَعْطَوهُ عليه مالًا؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يأخذَ المالَ على إقرارِهم على ما لا يجوزُ إقْرارُهم عليه. وإن بُذِلَ له رَهائنُ على إنْظارِهم، لم يَجُزْ أخْذُها لذلك؛ ولأنَّ الرّهائنَ لا يجوزُ قَتْلهُم لغَدْرِ أهلهم، فلا يُفِيدُ شيئًا. وإن كان في أَيْدِيهم


(٥) في ب، م: "فلح". وفلج: ظفر وفاز.
(٦) في الأصل، ب: "ياثارات".
(٧) أخرجه البيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى. . ., من كتاب قتال أهل البغى. السنن الكبرى ٨/ ١٨٠، ١٨١.
(٨) في ب، م: "الهادى". وانظر ترجمته في: تهذيب التهذيب ٥/ ٢٥١.
(٩) الحرورية: هم الخوارج، ينسبون إلى حروراء، موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه، ثم أصبح لقبا لفرقة منهم. الأنساب ٤/ ١١٨، وحاشيته.
(١٠) أخرجه الإِمام أحمد في المسند ١/ ٨٦، ٨٧. والبيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى. . ., من كتاب قتال أهل البغي، السنن الكبرى ٨/ ١٨٠. والحاكم، في: باب ذكر مراسلته -صلى اللَّه عليه وسلم- حين صالح قومه قريشا، من كتاب قتال أهل البغى. المستدرك ٢/ ١٥٣.
(١١) في م زيادة: "أو".

<<  <  ج: ص:  >  >>