للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَنِيفَة؛ لأنَّهُم يُقَرُّونَ على دِينهم بالاسْتِرْقاقِ، فيُقَرُّون ببَذْلِ الْجِزْيَةِ، كالمَجُوسِ. وحُكِىَ عن مالكٍ، أنَّها تُقْبَلُ من جميعِ الكُفَّارِ، إلَّا كُفَّارَ قُرَيْشٍ؛ لحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الذي في المَسْأَلَةِ قبلَ هذه (٧)، وهو عامٌّ، ولأَنَّهُم كُفّارٌ، فأَشْبَهُوا الْمَجُوسَ. ولَنا، عمومُ قولِه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (٨). وقولُ النَّبِىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمِرتُ أنَّ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يقُولُوا: لَا إله إلّا اللَّه" (٩). خَصَّ منهم (١٠) أهلَ الكتابِ بقولِه تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (١١). والمَجُوسَ بقوله: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ". فمَنْ عَداهما يَبْقَى على مُقْتَضَى العمُومِ، ولأَنَّ الصّحابَةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، تَوَقَّفُوا في أَخْذِ الْجِزْية من الْمَجُوسِ، ولم يأْخُذْ عمرُ منهم الجزْيَةَ حتّى رَوَى له عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ". وثَبَتَ عندَهم أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخَذَ الجِزْيَةَ من مَجُوسِ هَجَرَ (١٢). وهذا يَدُلُّ على أنَّهُم لم يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ مَمَّنْ سِوَاهُم، فإنَّهُم إذا تَوَقَّفُوا في مَن له شُبْهَةُ كتابٍ، ففى مَن لا شُبْهَةَ له أَوْلَى، ثم أخَذُوا (١٣) الجِزْيَةَ منهم للخَبَرِ المُخْتَصِّ بهم، فيَدُلُّ على أنَّهُم لم يَأْخُذُوها مِنْ غيرِهم، ولأنَّ قولَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ["سُنُّوا بِهِمْ] (١٤) سُنةَ أهلِ الْكِتَابِ". يدُلُّ على اخْتِصاصِ أهلِ الكتابِ ببَذْلِ الْجِزْيَةِ، إذْ لو كان عامًّا في جميعِ الكُفَّارِ، لم يخْتَصَّ أهلَ الكتابِ بإضافَتِها إليهم، ولأَنَّهم تَغَلَّظَ كُفْرُهم لكُفْرِهم باللهِ وجميعِ كُتُبِه ورُسُلِه، ولم تَكُنْ لهم شُبْهَةٌ، فلم يُقَرُّوا بِبَذْلِ الجِزْيةِ، كقُرَيْشٍ وعَبَدةِ الأوْثانِ من


(٧) تقدم في صفحة ٢٦.
(٨) سورة التوبة ٥.
(٩) تقدم تخريجه، في: ٤/ ٦.
(١٠) في النسخ: "منهما".
(١١) لم يرد: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} في: الأصل.
(١٢) أخرجه البخاري، في: باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، من كتاب الجزية. صحيح البخاري ٤/ ١١٧. وأبو داود، في: باب أخذ الجزية من المجوس، من كتاب الخراج والفىء والإمارة. سنن أبي داود ٢/ ١٥٠. والترمذي، في: باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس، من أبواب السير. عارضة الأحوذي ٧/ ٨٤، ٨٥. والإِمام مالك، في: باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة. الموطأ ١/ ٢٧٨. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ١٩٠، ١٩١. والبيهقي، في: باب المجوس أهل كتاب والجزية تؤخذ منهم، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ١٨٩، ١٩٠.
(١٣) في م: "أخذ".
(١٤) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>