للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإبراهيمَ بنَ هَانِئٍ (١٦): ما كان من الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ، وما يُكَالُ ويُوزَنُ، فعليه مِثْلُه دُونَ القِيمَةِ. فظَاهِرُ هذا وُجُوبُ المِثْلِ في كلِّ مَكِيلٍ ومَوْزُونٍ، إلَّا أن يكونَ ممَّا فيه صِنَاعَةٌ، كمَعْمُولِ الحَدِيدِ والنُّحَاسِ والرَّصَاصِ من الأَوَانِى والآلاتِ ونحوِها. والحَلْىِ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ وشِبْهِه، والمَنْسُوجِ من الحَرِيرِ والكَتَّانِ والقُطْنِ والصُّوفِ والشَّعْرِ، والمَغْزُولِ من ذلك، فإنَّه يُضْمَنُ بِقِيمَتِه؛ لأنَّ الصِّنَاعَةَ تُؤَثِّرُ في قِيمَتِه، وهى مُخْتَلِفَةٌ، فالقِيمَةُ فيه أَحْصَرُ، فأَشْبَه غيرَ المَكِيلِ والمَوْزُونِ. وذَكَرَ القاضي أنَّ النُّقْرَةَ (١٧) والسَّبِيكَةَ من الأَثْمَانِ، والعِنَبَ والرُّطَبَ والكُمَّثْرَى إنَّما (١٨) يَضْمَنُه (١٩) بقِيمَتِه. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ يَدُلُّ على ما قُلْنا. وإنَّما خَرَجَ منه ما فيه الصِّنَاعَةُ؛ لما ذَكَرْنَا. ويَحْتَمِلُ أنَّ يَضْمَنَ النّقْرَةَ بقِيمَتِها، لِتَعَذُّرِ وُجُودِ مِثْلِها إلَّا بِتَكْسِيرِ الدَّرَاهِم المَضْرُوبَةِ وسَبْكِها، وفيه إِتْلَافٌ. فعلَى هذا، إن كان المَضْمُونُ بِقِيمَتِه من جِنْسِ الأَثْمانِ، وَجَبَتْ قِيمَتُه من غَالِبِ نَقْدِ البَلَدِ، فإن كانتْ من غيرِ جِنْسِه، وَجَبَتْ بكلِّ حالٍ، وإن كانتْ من جِنْسِه، فكانت مَوْزُونةً وَجَبَتْ (٢٠). وإن كانت أقَلَّ أو أكْثَرَ، قُوِّمَ بغير جِنْسِه، لئلَّا يُؤَدِّىَ إلى الرِّبَا. وقال القاضي: إن كانتْ فيه صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ، فزَادَتْ قِيمَتُه من أَجْلِها، جَازَ تَقْوِيمُه بِجِنْسِه؛ لأنَّ ذلك قِيمَتُه، والصِّناعَةُ لها قِيمَةٌ، وكذلك لو كُسِرَ الحَلْىُ، وَجَبَ أرْشُ كَسْرِه، ويُخَالِفُ البَيْعَ، لأنَّ الصِّنَاعَةَ لا يُقَابِلُها العِوَضُ في العُقُودِ، ويُقَابِلُها في الإِتْلَافِ، ألَا تَرَىَ أنَّها لا تَنْفَرِدُ بالعَقْدِ، وتَنْفَرِدُ بِضَمَانِها بالإتْلَافِ. قال بعضُ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: هذا مذهبُ الشّافِعِىِّ. وذكر بعضُهم مثلَ القولِ الأَوَّلِ، وهو الذي ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّ القِيمَةَ مَأخُوذَةٌ على سَبِيلِ العِوَضِ، فالزِّيَادَةُ فيه رِبًا،


(١٦) أبو إسحاق إبراهيم بن هانئ النيسابورى، نقل عن الإِمام أحمد مسائل كثيرة، وكان ورعا صالحا، صبورا على الفقر، توفى سنة خمس وستين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ٩٧، ٩٨.
(١٧) النقرة: القطعة المذابة من الذهب والفضة.
(١٨) سقط من: أ، م.
(١٩) في ب، م: "يضمن".
(٢٠) في م زيادة: "قيمته".

<<  <  ج: ص:  >  >>