للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُسَلِّمَه، وذلك؛ لأنَّه شَرَطَ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِ المَبِيعِ إلى أن يَسْتَوْفِىَ البائِعُ مَنْفَعَتَهُ، ولأنَّ مُقْتَضَى البَيْعِ مِلْكُ المَبِيعِ ومَنافِعِه، وهذا شَرْطٌ يُنافِيهِ، وقال ابنُ عَقِيلٍ: فيه رِوايَةٌ ثانيةٌ، أنَّه يَبْطُلُ البَيْعُ والشَّرْطُ، نَقَلَها عبدُ اللَّه بن محمدٍ الفَقِيهُ (١١)، فى الرَّجُلِ يَشْتَرِى من الرَّجُلِ جارِيَةً، ويَشْتَرِطُ أن تَخْدِمَهُ، فالبَيْعُ باطِلٌ. وهذه الرِّوايَةُ لا (١٢) تَدُلُّ على مَحَلِّ النِّزاعِ فى هذه المَسْألَةِ، فإنَّ اشْتِراطَ خِدْمَةِ الجَارِيَةِ بَاطِلٌ لوَجْهَيْنِ، أحدُهما، أنَّها مَجْهُولَةٌ، وإطْلاقُها يَقْتَضِى خِدْمَتَها أبدًا، وهذا لا خِلافَ فى بُطْلانِه، إنَّما الخِلافُ فى اشْتِراطِ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ. الثانى، أنَّه (١٣) يَشْتَرِطُ خِدْمَتَها بعد زَوالِ مِلْكِه عنها، فيُفْضِى إلى الخَلْوَةِ بها، والخَطَرِ بِرُؤْيَتِها، وصُحْبَتِها، ولا يُوجَدُ هذا فى غيرِها، ولذلك مُنِعَ إِعارَةُ الجارِيَةِ الشَّابَّةِ لغيرِ مَحْرَمِها. وقال مالِكٌ: إذا اشْتَرطَ رُكُوبًا إلى مَكانٍ قَرِيبٍ، جازَ، وإن كان إلى مكانٍ بَعِيدٍ كُرِهَ؛ لأنَّ اليَسِيرَ (١٤) تَدْخُلُه الْمسامَحَةُ. ولنا، ما رَوَى جابِرٌ: أنَّه باعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَلًا، واشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلى المَدِينَةِ. وفى لَفْظٍ قال: فبِعْتُه بأُوقِيَّةٍ، واسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إلى أهْلِى. مُتَّفَقٌ عليه (١٥). وفى لفظٍ قال: فَبِعْتُه منه بِخَمْسِ أواقٍ، قال: قلتُ: على أنَّ لى ظَهْرَهُ إلى المَدِينَةِ. قال: "ولك ظَهْرُه إلى المَدِينَةِ". ورواهُ مُسْلِمٌ (١٦). ولأنَّ


(١١) لعله عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان، ابن بنت أحمد بن منيع، روى عن الإِمام أحمد، وصنف المعجمين الكبير والصغير، توفى سنة سبع عثمرة وثلاثمائة. طبقات الحنابلة ١/ ١٩٠ - ١٩٢.
(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) فى م: "أن".
(١٤) فى م: "اليسيرة".
(١٥) أخرجه البخارى، فى: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، من كتاب الشروط. صحيح البخارى ٣/ ٢٤٨. ومسلم، فى: باب بيع البعير واستثناء ركوبه، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٢١.
كما أخرجه النسائي، فى: باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٦١ - ٢٦٣. والإِمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٢٩٩.
(١٦) فى: باب بيع البعير واستثناء ركوبه، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>