للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"من أدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِه عِنْدَ رَجُلٍ، أوْ إنْسَانٍ، قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ" (٢). ولأنَّ هذا العَقْدَ يَلْحَقُه الفَسْخُ بالإِقَالَةِ، فجَازَ فَسْخُه لِتَعَذُّرِ العِوَضِ، كما لو تَعَذَّرَ المُسْلَمُ فيه، ولأنَّ الفَلَسَ سَبَبٌ لاسْتِحْقَاقِ الفَسْخِ، فجَازَ الفَسْخُ به بعدَ المَوْتِ كَالعَيْبِ. ولَنا، ما رَوَى أبو بكرِ بن عبد الرحمنِ بن الحارِثِ بن هِشَامٍ، عن أبى هُرَيْرَةَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فى حَدِيثِ المُفْلِسِ: "فإن مَاتَ فصَاحِبُ المَتَاعِ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٣). ورَوَى أبو الْيَمَانِ، عن الزَّبِيدِىِّ، عن الزُّهْرِىِّ، عن أبى سَلَمَةَ، عن أبى هُرَيْرَةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أيُّمَا امْرِئٍ مَاتَ، وَعِنْدَهُ مالُ امْرِئٍ بِعَيْنِه، اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِه شَيْئًا، أو لَمْ يَقْتَضِ، فَهُوَ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ" (٤). رَوَاهُ ابن مَاجَه (٥). ولأنه تَعَلَّقَ به حَقُّ غير المُفْلِسِ والغُرَمَاءِ، وهم الوَرَثَةُ، فأشْبَه المَرْهُونَ. وحَدِيثُهُم مَجْهُولُ الإسْنَادِ، قال ابنُ المُنْذِرِ: قال ابن عَبد البَرِّ: يَرْوِيه أبو المُعْتَمِرِ، عن الزُّرَقِىِّ، وأبو المُعْتَمِرِ غيرُ مَعْرُوفٍ بِحَمْلِ العِلْمِ. ثم هو غير مَعْمُولٍ به إجْمَاعًا؛ فإنَّه جَعَلَ المَتَاعَ لِصَاحِبِه بمُجَرَّدِ مَوْتِ المُشْتَرِى، من غيرِ شَرْطِ فَلَسِه، ولا تَعَذُّرِ وَفَائِه، ولا عَدَمِ قَبْضِ ثَمَنِه، والأمْرُ بِخِلَافِ ذلك عندَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ، إلَّا ما حُكِىَ عن الإِصْطَخْرِىِّ (٦) من أصْحَابِ الشَّافِعِىِّ، أنَّه قال: لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ أن يَرْجِعَ فيها إذا مَاتَ المُشْتَرِى، وإن خَلَّف وَفَاءً. وهذا شُذُوذٌ عن أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ، وخِلَافٌ لِلسُّنَّةِ لا يُعَرَّجُ على مِثْلِه. وأمَّا الحَدِيثُ الآخَرُ، فنقُولُ به، وأنَّ صَاحِبَ المَتَاعِ أحَقُّ به إذا وَجَدَهُ عندَ المُفْلِسِ، وما وَجَدَهُ فى مَسأَلَتِنا عندَه، إنَّما وَجَدَهُ عند وَرَثَتِه، فلا يَتَنَاوَلُه الخَبَرُ، وإنَّما يَدُلُّ بمَفْهُومِه


(٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٣٩.
(٣) فى الباب السابق والموضع السابق.
(٤) فى سنن ابن ماجه: "للغرماء".
(٥) فى الباب السابق. سنن ابن ماجه ٣/ ٧٩١.
(٦) أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإِصطخرى، أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه فى مذهب الشافعى، توفى ببغداد، سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٣/ ٢٣٠ - ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>