للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمَكَّةَ دَرَاهِمَ، ثم يَكْتُبُ لهم بها إلى مُصْعَبِ بن الزُّبَيْرِ بالعِرَاقِ، فيَأْخُذُونَها منه. فسُئِلَ عن ذلك ابنُ عَبَّاسٍ، فلم يَرَ به بَأْسًا. وَرُوِىَ عن علىًّ رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه سُئِلَ عن مثل هذا، فلم يَرَ به بَأْسًا. ومِمَّنْ لم يَرَ بِهِ بَأْسًا ابنُ سِيرِينَ، والنَّخَعِىُّ. رَوَاهُ كله سَعِيدٌ. وذَكَرَ القاضى أنَّ لِلْوَصِىِّ قَرْضَ مَالِ اليَتِيمِ فى بَلَدٍ أُخْرَى لِيَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ. والصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لأنَّه مَصْلَحَةٌ لهما مِن غيرِ ضَرَرٍ بواحِدٍ منهما، والشَّرْعُ لا يَرِدُ بِتَحْرِيمِ المَصَالِح التى لا مَضَرَّةَ فيها، بل بمَشْرُوعِيَّتِها. ولأنَّ هذا ليس بمَنْصُوصٍ على تَحْرِيمِه، ولا فى معنى المَنْصُوصِ، فوَجَبَ إبْقَاؤُه على الإِباحَةِ. وإن شَرَطَ فى القَرْضِ أن يُؤْجِرَهُ دَارَه، أو يَبِيعَه شَيئا، أو أن يُقْرِضَهُ المُقْتَرَضَ مَرَّةً أُخْرَى، لم يَجُزْ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعٍ وسَلَفٍ (١٤). ولأنَّه شَرَطَ عَقْدًا فى عَقْدٍ، فلم يَجُزْ، كما لو بَاعَهُ دَارَهُ بِشَرْطِ أن يَبِيعَهُ الآخَرُ دَارَهُ. وإن شَرَطَ أن يُؤْجِرَهُ دَارَهُ بأقَلَّ من أُجْرَتِها، أو على أن يَسْتَأْجِرَ دَارَ المُقْرِضِ بأكْثَرَ من أُجْرَتِها، أو على أن يُهْدِىَ له هَدِيَّةً، أو يَعْمَلَ له عَمَلًا، كان أبْلَغَ فى التَّحْرِيمِ. وإن فَعَلَ ذلك مِن غيرِ شَرْطٍ قبلَ الوَفَاءِ، لم يَقْبَلْهُ، ولم يَجُزْ قَبُولُه، إلَّا أن يُكَافِئَهُ، أو يَحْسُبَهُ من دَيْنِه، إلَّا أن يكونَ شيئا جَرَتِ العَادَةُ به بينهما قبلَ القَرْضِ؛ لما رَوَى الأَثْرَمُ أنَّ رَجُلًا كان له على سَمَّاكٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، فجَعَلَ يُهْدِى إليه السَّمَكَ ويُقَوِّمُهُ، حتى بَلَغَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهمًا، فسَأَلَ ابنَ عَبَّاسٍ فقال: أَعْطِه سَبْعَةَ دَرَاهِمَ (١٥). وعن ابنِ سِيرِينَ، أن عمرَ أسْلَفَ أُبَىَّ بن كَعْبٍ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فأَهْدَى إليه أُبَىُّ بن كَعْبٍ من ثَمَرَةِ أَرْضِه، فَرَدَّها عليه، ولم يَقْبَلْها، فأتَاهُ أُبَىٌّ فقال: لقد عَلِمَ أهْلُ المَدِينَةِ أنِّى مِن أَطْيَبِهِم ثَمَرَةً، وأنَّه لا حَاجَةَ لنا، فِيمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا! ثم أَهْدَى إليه بعد ذلك فَقَبِلَ. وعَن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قال: قلتُ لأُبَىَّ بن كَعْبٍ: إنِّى أُرِيدُ أن أَسِيرَ إلى أَرْضِ الجِهادِ إلى العِرَاقِ. فقال: إنَّك تَأْتِى أرْضًا فَاشٍ فيها الرِّبَا، فإن


(١٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٣٤.
(١٥) أخرجه البيهقى، فى: باب كل قرض جر منفعة فهو ربا، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>