للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصْحابُ الشافِعِىِّ: إن لم يكُنْ صَاحِبُها معها، لَزِمَ المُكْتَرِىَ قيمَتُها كلُّها، وإن كان معها فتَلِفَتْ في يَدِ صَاحِبِها، لم يَضْمَنْها المُكْتَرِى؛ لأَنَّها تَلِفَتْ في يَدِ صَاحِبها، أشْبهَ ما لو تَلِفَتْ بعد مُدَّةِ التَّعَدِّى. وإن تَلِفَتْ تحت الرّاكِبِ، ففيه قَوْلَانِ؛ أحدهما، يَلْزَمُه نِصْفُ قِيمَتِها؛ لأنَّها تَلِفَتْ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ وغيرِ مَضْمُونٍ، أشْبهَ ما لو تَلِفَتْ بِجِرَاحَتِه وجِرَاحةِ مَالِكِها. والثانى، تُقَسَّطُ القِيمَةُ على المَسَافَتَيْنِ، فما قابَلَ مَسَافةَ الإِجَارَةِ سَقَطَ، وَوَجَبَ الباقِى. ونحوُ هذا قولُ أبى حنيفةَ، فإنَّه قال: (٦) من اكْتَرَى جَمَلًا لِحَمْلِ تِسْعَةٍ، فَحَمَلَ عَشَرَةً، فتَلِفَ، فعلى المُكْتَرِى عُشْرُ قِيمَتِه. ومَوضِعُ الخِلَافِ في لُزُومِ كَمالِ القِيمَةِ إذا كان صَاحِبُها مع رَاكِبِها، أو تَلِفَتْ في يَدِ صَاحِبِها. فأمَّا إذا تَلِفَتْ حالَ التَّعَدِّى، ولم يكنْ صَاحِبُها مع رَاكِبِها، فلا خِلَافَ في ضَمَانِها بكَمالِ قِيمَتِها؛ لأنَّها تَلِفَتْ في يَدٍ عَادِيَةٍ، فوَجَبَ ضَمَانُها كالمَغْصُوبةِ. وكذلك إذا تَلِفَتْ تحتَ الرّاكِبِ، أو تَحْتَ حِمْلِه، وصَاحِبُها معها؛ لأنَّ اليَدَ للرّاكِبِ وصاحِبِ الحِمْلِ، بِدَلِيلِ أنَّهما لو تَنَازَعا دَابّةً أحَدُهُما رَاكِبُها، أو له عليها حِمْلٌ، والآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِها، لَكانت للرّاكِبِ ولِصَاحِبِ الحِمْلِ. ولأنَّ الرّاكِبَ مُتَعَدٍّ بالزِّيادَةِ، وسُكُوتُ صاحِبِها لا يُسْقِطُ الضَّمَانَ، كمن جَلَسَ إلى إنْسانٍ فحَرَقَ ثِيَابَه وهو ساكِتٌ. ولأنَّها إن تَلِفَتْ بِسَبَبِ تَعَبِها، فالضَّمانُ على المُتَعَدِّى، كمن ألْقَى حَجَرًا في سَفِينَةٍ مُوقَرَةٍ فَغَرَّقَها. فأمَّا إن تَلِفَتْ في يَدِ صَاحِبها بعدَ نُزُولِ الرّاكِبِ عنها، فيُنْظَرُ؛ فإن كان تَلَفُها بِسَبَبِ تَعَبِها بالحِمْلِ والسَّيْرِ، فهو كما لو تَلِفَتْ تحت الحِمْلِ والرَّاكِبِ، وإن تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخرَ من افْتِراسِ سَبُعٍ أو سُقُوطٍ في هُوَّةٍ ونحوِ ذلك، فلا ضَمَانَ فيها؛ لأنَّها لم تَتْلَفْ في يَدٍ عَادِيَةٍ، ولا بِسَبَبِ عُدْوانٍ. وقولهم: تَلِفَتْ (٧) بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ


(٦) في الأصل زيادة: "في".
(٧) في الأصل: "فاتت".

<<  <  ج: ص:  >  >>