للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجْلَاهُم (٥٧) من الأرْضِ وأخْرَجَهُم من خَيْبَرَ، ولو كانت لهم مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ، لم يَجُزْ إخْراجُهُم منها. ولأنَّه عَقْدٌ على جُزْءٍ من نَمَاءِ المالِ، فكان جائِزًا، كالمُضَارَبةِ، أو عَقْدٌ على المالِ بِجُزْءٍ من نَمَائِه، أشْبَهَ المُضَارَبةَ، وفارَقَ الإِجَارَةَ؛ لأنَّها بَيْعٌ، فكانت لَازِمةً، كبَيْعِ الأَعْيانِ، ولأنَّ عِوَضَها مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ، فأشْبَهَتِ البَيْعَ. وقِيَاسُهُم يَنْتَقِضُ بالمُضَارَبةِ، وهى أشْبَهُ (٥٨) بالمُسَاقاةِ من الإِجَارَةِ، فقِيَاسُها عليها أَولَى. وقولُهم: إنَّه يُفْضِى إلى أنَّ رَبَّ المالِ يَفْسَخُ بعد إدْراكِ الثّمرَةِ. قُلْنا: إذا ظَهَرَتِ الثّمرَةُ، فهى تَظْهَرُ على مِلْكِهِما، فلا يَسْقُطُ حَقُّ العامِلِ منها بِفَسْخٍ ولا غيرِه، كما لو فَسَخَ المُضَارَبةَ بعدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. فعلى هذا لا يَفْتَقِرُ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ، ولذلك لم يَضْربِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا خُلَفَاؤُه رَضِىَ اللَّه عنهم، لأهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً مَعْلُومةً حين عَامَلُوهُم. ولأنَّه عَقْدٌ جائِزٌ، فلم يَفْتَقِرْ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ، كالمُضَارَبةِ، وسائِرِ العُقُودِ الجائِزَةِ. ومتى فَسَخَ أحَدُهما بعدَ ظُهُورِ الثّمرَةِ، فهى بينهما على ما شَرَطاهُ، وعلى العامِلِ تَمامُ العَمَلِ، كما يَلْزَمُ المُضَارِبَ بَيْعُ العُرُوضِ إذا فُسِخَتِ المُضَارَبةُ بعدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وإن فَسَخَ العامِلُ قبلَ ذلك، فلا شىءَ له؛ لأنَّه رَضِىَ بإسْقاطِ حَقِّه، فصَارَ كعامِلِ المُضَارَبةِ إذا فَسَخَ قبلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وعامِلِ الجُعَالَةِ إذا فَسَخَ قبلَ إتْمامِ عَمَلِه. وإن فسَخَ رَبُّ المالِ قبلَ ظُهُورِ الثّمرَةِ، فعليه أجْرُ المِثْلِ لِلْعَامِلِ؛ لأنَّه مَنَعَهُ إتْمامَ عَمَلِه الذي يَسْتَحِقُّ به العِوَضَ، فأشْبَهَ ما لو فَسَخَ الجاعِلُ قبلَ إتْمامِ عَمَلِ الجُعَالَةِ. وفارَقَ رَبَّ المالِ في المُضَارَبةِ إذا فَسَخَها قبلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ؛ لأنَّ عَمَلَ هذا مُفْضٍ إلى ظُهُورِ الثّمرَةِ غالِبًا، فلَوْلَا الفَسْخُ لظَهَرَتِ الثّمرَةُ، فمَلَكَ نَصِيبَه منها، وقد قَطَعَ ذلك بِفَسْخِه، فأشْبَه فَسْخَ الجُعَالةِ، بخِلَافِ المُضَارَبةِ، فإنَّه لا يُعْلَمُ إفْضَاؤُها إلى الرِّبْحِ، ولأنَّ الثّمرَةَ إذا ظَهَرَتْ في الشَّجَرِ، كان العَمَلُ عليها في الابْتداءِ مِن أسْبابِ ظُهُورِها، والرِّبْحُ إذا ظَهَرَ في المُضَارَبةِ [قد لا] (٥٩) يكونُ لِلعَمَلِ الأَوَّل فيه أثَرٌ أصْلًا. فأمَّا إن قُلْنا: إنَّه عَقْدٌ لازِمٌ. فلا يَصِحُ إلَّا على مُدَّةٍ


(٥٧) في الأصل: "أخلاهم".
(٥٨) في الأصل: "تشبه".
(٥٩) في الأصل: "فلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>