للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْلُومةٍ. وبهذا قال الشافِعِىُّ وقال أبو ثَوْرٍ: تَصِحُّ من غيرِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، ويَقَعُ على سَنَةٍ واحِدَةٍ. وأجَازَهُ بعضُ أهْلِ الكُوفَة اسْتِحْسانًا؛ لأنه لمَّا شَرَطَ له جُزءًا من الثّمرَةِ، كان ذلك دَلِيلًا على أنَّه أرَادَ مُدَّةً تَحْصُلُ الثَّمرَةُ فيها. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، فوَجَبَ تَقْدِيرُه بمُدَّةٍ، كالإِجَارَةِ، ولأنَّ المُسَاقاةَ أشْبَهُ بالإِجَارَةِ، لأنَّها تَقْتَضِى العَمَلَ على العَيْنِ مع بَقَائِها، ولأنَّها إذا وَقَعَتْ مُطْلَقَةً، لم يُمْكِنْ حَمْلُها على إطْلَاقِها مع لُزُومِها؛ لأنَّه يُفْضِى إلى أن العامِلَ يَسْتَبِدُّ بالشَّجَرِ كلَّ مُدَّتِه، فيَصِيرُ كالمالِكِ، ولا يُمْكِنُ تَقْدِيرُه بالسَّنَةِ؛ لأنَّه تَحَكُّمٌ، وقد تَكْمُلُ الثّمرَةُ في أقَلَّ من السَّنةِ، فعلى هذا لا تَتَقَدَّرُ أكْثَرَ المُدَّةِ، بل يجوزُ ما يَتَّفِقانِ عليه من المُدَّةِ التي يَبْقَى الشَّجَرُ فيها وإن طَالَتْ. وقد قيل: لا يجوزُ أكْثَرَ من ثَلَاثِينَ سَنَةً. وهذا تَحَكُّمٌ، وتَوْقِيتٌ لا يُصَارُ إليه إلَّا بِنَصٍّ أو إجْماعٍ. فأمَّا أقَلُّ المُدَّةِ، فيَتَقَدَّرُ بمُدَّةٍ تَكْمُلُ الثّمرَةُ فيها، فلا يجوزُ على أقَلَّ منها؛ لأنَّ المَقْصُودَ أن يَشْتَرِكَا في الثّمرَةِ، ولا يُوجَدُ في أقَلَّ من هذه المُدَّةِ. فإن سَاقاهُ على مُدَّةٍ لا تَكْمُلُ فيها الثمرَةُ، فالمُسَاقاةُ فاسِدَةٌ. فإذا عَمِلَ فيها، فظَهَرَتِ الثّمرَةُ ولم تَكْمُلْ، فله أجْرُ مِثْلِه، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَر، لا شيءَ له؛ لأنَّه رضِىَ بالعَمَلِ بغيرِ عِوَضٍ، فهو كالمُتَبَرِّعِ. والأَوّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ هذا لم يَرْضَ الَّا بِعِوَضٍ، وهو جُزْءٌ من الثَّمَرةِ، وذلك الجُزْء مَوْجُودٌ، غيرَ أنَّه لا يُمْكِنُ تَسْلِيمُه إليه، فلما تَعَذَّرَ دَفْعُ العِوَضِ الذي اتَّفَقَا عليه إليه، كان له (٦٠) أجْرُ مِثْلِه، كما في الإِجَارَةِ الفاسِدَةِ. وفارَقَ المُتَبَرِّعَ؛ فإنَّه رَضِىَ بغيرِ شيءٍ. وإن لم تَظْهَر الثَّمَرةُ، فلا شىءَ له، في أصَحِّ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه رَضِىَ بالعَمَلِ بغيرِ عِوَضٍ. وإن سَاقاهُ إلى مُدَّةٍ تَكْمُلُ فيها الثَّمَرَةُ غالِبًا، فلم يَحْمِلْ تلك السَّنَةَ، فلا شيءَ للعامِلِ؛ لأنَّه عَقْدٌ صَحِيحٌ، لم يَظْهَرْ فيه النَّمَاءُ الذي اشْتُرِطَ جُزْؤُه، فأَشْبَهَ المُضَارَبةَ إذا لم يَرْبَحْ فيها. وان ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ، ولم تَكْمُلْ، فله نَصِيبُه منها، وعليه إتْمامُ العَمَلِ فيها، كما لو انْفَسَختْ قبلَ كَمَالِها. وإن سَاقاهُ إلى مُدَّةٍ يَحْتَمِلُ أن يكونَ لِلشَّجَرِ ثَمَرةٌ. ويَحْتَمِلُ أن


(٦٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>