للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له؛ لأنَّه يُبْعَثُ يَوْمَ القِيامَةِ مُلَبِّيًا. قُلْنا: حُكْمُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في وَاحِدٍ حُكْمُه في مِثْلِه، إلَّا أنْ يَرِدَ تَخْصِيصُه، ولهذا ثَبَتَ حُكْمُه في شُهَدَاء أُحُدٍ في سائِر الشُّهَداءِ، وقد رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "حُكْمِى عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِى عَلَى الجَمَاعَةِ" (٥). قال أبو دَاوُدَ: سمعتُ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ يقول: في هذا الحَدِيثِ خَمْسُ سُنَنٍ؛ كَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، أي يُكَفَّنُ في ثَوْبَيْنِ. وأن يكونَ في الغَسَلَاتِ كُلِّها سِدْرٌ، ولا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، ولا تَقْربُوه طِيبًا، وكان (٦) الكَفَنُ من جَمِيعِ المالِ. وقال أحمدُ في مَوْضِعٍ: يُصَبُّ عليه الماءُ صَبًّا، ولا يُغَسَّلُ كما يُغَسَّلُ الحَلَالُ. وإنَّما كُرِهَ عَرْكُ رَأْسِه، ومَوَاضِعِ الشَّعْرِ، كيْلا يَتَقَطَّعَ شَعْرُه. واخْتلَف عنه (٧) في تَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ، فرَوَى حَنْبَلٌ عنه: لا تُغَطَّى رِجْلَاهُ. وهو الذي ذَكَرَهُ الْخِرَقِىُّ. وقال الخَلَّالُ: لا أعْرِفُ هذا في الأحادِيث، ولا رَوَاهُ أحَدٌ عن أبي عبدِ اللهِ غيرَ حَنْبَلٍ، وهو عِنْدِى وَهَمٌ (٨) من حَنْبَلٍ، والعَمَلُ على أنَّه يُغَطَّى جَمِيعُ المُحْرِمِ، إلَّا رَأْسَه، لأنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ في رَأْسِه، ولا يُمْنَعُ من تَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ في حَياتِه، فكذلك في مَماتِه. واخْتَلَف (٩) عن أحمدَ في تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ، فنَقَلَ عنه إسماعيلُ بنُ سَعِيدٍ: لا يُغَطَّى وَجْهُهُ؛ لأنَّ في بعضِ الحَدِيثِ: "ولا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ولا وَجْهَهُ". ونَقَلَ عنه سائِرُ أصْحابِه: لا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ؛ لِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ الذي رَوَيْناهُ، وهو أصَحُّ ما رُوِىَ فيه، وليس فيه إلا المَنْعُ من تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، ولأنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ في رَأْسِه، ولا يُمْنَعُ من تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ في الحَياةِ، فبعدَ المَوْتِ أوْلَى، ولم يَرَ أن يُلْبَسَ المُحْرِمُ المَخِيطَ بعد مَوْتِه، كما لا يَلْبَسُهُ في حَياتِه. وإنْ كان المَيِّتُ امْرَأَةً مُحْرِمَةً،


(٥) لا أصل له. انظر: الفوائد المجموعة ١/ ٢٠٠، والأسرار المرفوعة ١٨٨، وكشف الخفا ١/ ٤٣٦، وتذكرة الموضوعات ١/ ١٨٦.
(٦) في م: "ويكون".
(٧) أي النقل.
(٨) الوهم: الغلط.
(٩) في أ، م: "واختلفوا". والمقصود: واختلف النقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>