للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى سقَطَ (٣١) مَيِّتًا، وكذلك إنْ عَلِمنا أنّه ماتَ، ولم يُدْرَ متى ماتَ. ولم يُفَرِّقْ سائِرُ أهْلِ العِلْمِ بينَ هذه الصُّورَةِ وبينَ سائِرِ صُورِ الفِقْدانِ فيما عَلِمنا، إلَّا أَنَّ مالِكًا، والشَّافِعىَّ، فى القَديمِ، وافَقا فى الزَّوْجَةِ أنَّها تَتَزَوَّجُ خَاصَّةً. والأظْهَرُ من مذْهَبِه مِثْلُ قَوْلِ الباقينَ، فأمَّا مالُه فاتّفَقوا على أنَّه لا يُقَسَّمُ حتَّى تَمْضِىَ مُدَّةً لا يَعيشُ فى مِثْلِها، على ما سَنَذْكُره فى الصُّورَةِ الأُخْرى، إنْ شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّه مَفْقُودٌ لا يَتَحَقَقُ مَوْتُه، فأشْبَهَ التَّاجِرَ والسَّائِحَ. ولَنا، اتِّفاقُ الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، على تَزْويِج امْرَأتِه على ما ذَكَرْناه فى العِدَدِ، وإذا ثَبَتَ ذلك فى النِّكاحِ مع الاحْتِياطِ لِلْأَبْضاعِ، ففى المالِ أوْلَى، ولأنَّ الظَّاهِرَ هَلاكُه، فأشْبَهَ ما لو مَضَتْ مُدَّةٌ لا يَعيشُ فى مِثْلِها. النَّوْعُ الثَّانى، مَن ليس الغالِبُ هَلاكَه، كالْمُسافِرِ لِتجِارَةٍ، أو طَلَبِ عِلْمٍ، أو سِياحَةٍ، ونحوِ ذلك، ولم يُعْلَمْ خَبَرُه، ففيه رِوايتانِ؛ إحْداهما، لا يُقَسَّمُ مالُه، ولا تَتَزَوَّجُ امْرَأتُه، حتَّى يُتَيَّقَنَ مَوْتُه، أو يَمْضِىَ عليه مُدَّةٌ لا يَعيشُ فى مِثْلِها، وذلك مَرْدودٌ إلى اجْتِهادِ الحاكِمِ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعىِّ (٣٢)، ومحمدِ بنِ الحَسَنِ، وهو المشْهورُ عن مالِكٍ، وأبى حنيفةَ، وأبى يوسفَ؛ لأنَّ الأصْلَ حياتُه، والتَّقْديرُ لا يُصارُ إليه إلَّا بِتَوْقيفٍ، ولا تَوْقيفَ ههُنا، فَوَجَبَ التَّوَقُفُ عنه. والروايةُ الثّانيةُ، أنَّه يُنْتَظَرُ به تَمامُ تِسْعين سَنَةً مع سَنَةِ يومَ فُقِدَ. وهذا قَوْلُ عبدِ المَلكِ بنِ الماجِشُون؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَعيشُ أكْثَر من هذا. وقال عبدُ اللَّهِ ابنُ عبدِ الْحَكَمِ: يُنْتَظَرُ به إلى تَمامِ سَبْعينَ سَنَةً مع سَنَةِ يومَ فُقِدَ. ولَعَلَّه يَحْتَجُّ بِقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ السَّبْعينَ والسِّتِّينَ" (٣٣). أو كما قال؛ ولأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَعِيشُ أكْثَرَ من هذا، فأشْبَهَ التِّسْعينَ. وقال الحَسَنُ بْنُ زيادٍ: يُنْتَظَرُ به تَمامُ مائةٍ وعِشْرينَ سَنَةً. قال: ولو فُقِدَ وهو ابنُ سِتِّينَ سَنَةً، وله مال، لم يُقَسَّمْ مالُه حتَّى يَمْضِىَ


(٣١) فى م: "يسقط".
(٣٢) فى الأصل: "للشافعى".
(٣٣) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى فناء أعمار هذه الأمة. . .، من أبواب الزهد، وفى: باب فى دعاء النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، من أبواب الدعوات. عارضة الأحوذى ٩/ ٢٠٣، ١٣/ ٦٥. وابن ماجه، فى: باب الأمل والأجل، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه ٢/ ١٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>