للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّه يَفْتَقِرُ إلى الخُرُوجِ إلى عَرَفَةَ، فيَجْتَمِع له الحِلُّ والحَرَمُ، والعُمْرَةُ بخِلَافِ ذلك. ومِن أيِّ الحِلِّ أحْرَمَ جازَ. وإنَّما أعْمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشةَ من التَّنْعِيمِ؛ لأنَّها أقْرَبُ الحِلِّ إلى مَكَّةَ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، في المَكِّىِّ، كلَّما تَباعَدَ في العُمْرَةِ فهو أعْظَمُ لِلْأَجْرِ، هى على قَدْرِ تَعَبِهَا. وأمَّا إنْ أرَادَ المَكِّىُّ الإحْرَامَ بالحَجِّ، فمِن مَكَّةَ؛ لِلْخَبَرِ الذى ذَكَرْنَا، ولأنَّ أصْحابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا فَسَخُوا الحَجَّ، أمَرَهم فأحْرَمُوا من مَكَّةَ. قال جابِرٌ: أمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا حَلَلْنَا، أنْ نُحْرِمَ إذا تَوَجَّهْنَا من الأبْطَح. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٨). وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا فَرْقَ بين قَاطِنِى مَكَّةَ وبين غَيْرِهم ممَّن هو بها، كالمُتَمَتِّعِ إذا حَلَّ، ومن فَسَخَ حَجَّهُ بها. ونُقِلَ عن أحمدَ في مَن اعْتَمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ من أهْلِ مَكَّةَ، [ثم تَمَتَّعَ] (٩)، أنَّه يُهِلُّ بالحَجِّ من المِيقاتِ، فإنْ لم يَفْعَلْ، فعليه دَمٌ. والصَّحِيحُ خِلافُ هذا؛ لما دَلَّتْ عليه الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحمدَ إنَّما أرَادَ أنَّ المُتَمَتِّعَ يَسْقُطُ عنه الدَّمُ إذا خَرَجَ إلى المِيقَاتِ، ولا يَسْقُطُ إذا أحْرَمَ من مَكَّةَ. وهذا في غيرِ المَكِّىِّ، أمَّا المَكِّىُّ فلا يَجِبُ عليه دَمُ مُتْعَةٍ بحالٍ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١٠). وذَكَرَ القاضى في مَن دَخَلَ مَكَّةَ يَحُجُّ عن غيرِه، ثم أرَادَ أن يَعْتَمِرَ بعدَه لِنَفْسِه، أو دَخَلَ يَحُجُّ لِنَفْسِه، ثم أرَادَ أن يَعْتَمِرَ لغيرِه، أو دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لِنَفْسِه، ثم أرَادَ أن يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ لغيرِه، أو دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لغيرِه، ثم أرَادَ أن يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ لِنَفْسِه، أنَّه في جَمِيعِ ذلك يَخْرُجُ إلى المِيقاتِ، فيُحْرِمُ منه، فإن لم يَفْعَلْ، فعليه دَمٌ. قال: وقد قال أحمدُ، في رِوَايةِ


(٨) في: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٨٨٢.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣١٨، ٣٧٨.
(٩) سقط من: أ، ب، م.
(١٠) سورة البقرة ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>