للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا صِيامَ فيه، ولأنَّه عِبادَةٌ تَصِحُّ فى اللَّيْلِ، فلم يُشْتَرَطْ له الصيامُ كالصلاةِ، ولأنَّه عِبَادَةٌ تَصِحُّ فى اللَّيْلِ، فأشْبَه سائِرَ العِبادَاتِ، ولأنَّ إيجابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، ولم يَصِحَّ فيه نَصٌّ، ولا إجْمَاعٌ. قال سعيدٌ: حَدَّثَنَا عبدُ العزيزِ بن محمدٍ، عن أبي سَهْلٍ، قال: كان على امْرَأَةٍ من أهْلِى اعْتِكافٌ، فسألتُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ. فقال: ليس عليها صِيَامٌ، إلَّا أن تَجْعَلَه على نَفْسِها. فقال الزُّهْرِىُّ: لا اعْتِكافَ إلَّا بِصَوْمٍ. فقال له عمرُ: عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: لا. قال: فعن أبي بكرٍ؟ قال: لا. قال: فعن عمرَ؟ قال: لا. قال: وأظُنُّه قال: فعن عثمانَ؟ قال: لا. فخَرَجْتُ من عندِه، فلَقِيتُ عَطاءً وطاوُسًا، فسألْتُهما، فقال طاوُسٌ: كان فلانٌ لا يَرَى عليها صِيَامًا، إلَّا أن تَجْعَلَه على نَفْسِها (٤)، وأحادِيثُهم لا تَصِحُّ. أَمَّا حَدِيثُهم عن عُمَرَ، فتفَرَّد به ابنُ بُدَيْلٍ (٥)، وهو ضَعِيفٌ، قال أبو بكرٍ النَّيْسَابُورِىُّ: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. والصَّحِيحُ ما روَيْناهُ (٦)، أخْرَجَهُ البُخَارِىُّ، والنَّسَائِىُّ، وغيرُهما. وحديثُ عائشةَ مَوْقُوفٌ عليها، ومن رَفَعَهُ فقد وَهِمَ (٧)، ولو صَحَّ فالمُرَادُ به الاسْتِحْبَابُ؛ فإنَّ الصَّوْمَ فيه أفْضَلُ، وقِياسُهم يَنْقَلِبُ عليهم؛ فإنَّه لُبْثٌ فى مَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فلم يُشْتَرَطْ له الصَّوْمُ كالوُقُوفِ، ثمَّ نَقُولُ بِمُوجِبِه، فإنَّه لا يكونُ قُرْبَةً بمُجَرَّدِه، بل بِالنِّيَّةِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يُسْتَحَبُّ أن يَصُومَ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَعْتَكِفُ وهو صَائِمٌ، ولأنَّ المُعْتَكِفَ يُسْتَحَبُّ له التَّشَاغُلَ بالعِبادَاتِ والقُرَبِ، والصَّوْمُ من أفْضَلِها، ويَتَفَرَّغُ به ممَّا (٨) يَشْغَلُه عن


(٤) أخرجه البيهقى، فى: باب من رأى الاعتكاف بغير صوم، من كتاب الصِّيام. السنن الكبرى ٤/ ٣١٩.
(٥) واسمه عبد اللَّه. انظر: تهذيب التهذيب ٥/ ١٥٥.
(٦) هو الذى تقدَّم من نذر عمر فى الجاهلية الاعتكاف لَيْلَة فى المسجد الحرام.
(٧) وهم: غلط.
(٨) فى أ، م: "ما".

<<  <  ج: ص:  >  >>