للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتَعَلَّقُ بِالمَسْجِدِ، فلَزِمَتْ بالدُّخُولِ فيها، كالحَجِّ. ولم يَصْنَعِ ابنُ عبدِ البَرِّ شيئًا، وهذا ليس بِإِجماعٍ، ولا نَعْرِفُ هذا القَوْلَ عن أحَدٍ سِوَاهُ، وقَد قال الشَّافِعِىُّ: كُلُّ عَمَلٍ لَكَ أن لا تَدْخُلَ فيه، فإذا دَخَلْتَ فيه فخَرَجْتَ منه، فليس عليك أن تَقْضِىَ، إلَّا الحَجَّ والعُمْرَةَ. ولم يَقَعِ الإِجْماعُ على لُزُومِ نَافِلَةٍ بِالشُّرُوعِ فيها سِوَى الحَجِّ والعُمْرَةِ. وإذا كانتِ العِباداتُ التى لها أصْلٌ فى الوُجُوبِ لا تَلْزَمُ بالشُّرُوعِ، فما ليس له أصْلٌ فى الوُجُوبِ أوْلَى، وقد انْعَقَدَ الإِجْماعُ على أنَّ الإِنْسانَ لو نَوَى الصَّدَقَةَ بمالٍ مُقَدَّرٍ، وشَرَعَ فى الصَّدَقَةِ به، فأخْرَجَ بَعْضَه، لم تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ، وهو نَظِيرُ الاعْتِكافِ؛ لأنَّه غيرُ مُقَدَّرٍ بِالشَّرْعِ، فأشْبَهَ الصَّدَقَةَ. وما ذَكَرَه حُجَّةٌ عليه؛ فإنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اعْتِكافَه، ولو كان وَاجِبًا لمَا تَرَكَهُ، وأزْوَاجُه تَرَكْنَ الاعْتِكافَ بعد نِيَّتِه وضَرْبِ أَبْنِيَتِهِنَّ له، ولم يُوجَدْ عُذْرٌ يَمْنَعُ فِعْلَ الواجِبِ، ولا أُمِرْنَ بِالقَضاءِ، وقَضاءُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له لم يَكُنْ وَاجِبًا عليه، وإنَّما فَعَلَهُ تَطَوُّعًا؛ لأنَّه كان إذا عَمِلَ عَمَلًا أثْبَتَهُ، وكان فِعْلُه لِقَضائِه كفِعْلِه لِأدائِه، على سَبِيلِ التَّطَوُّعِ به، لا على سَبِيلِ الإِيجابِ، كما قَضَى السُّنَّةَ التى فَاتَتْهُ بعد الظُّهْرِ وقبلَ الفَجْرِ، فتَرْكُه له دَلِيلٌ على (٧) عَدَمِ الوُجُوبِ، لِتَحْرِيمِ تَرْكِ الواجِبِ، وفِعْلُه لِلْقَضاءِ لا يَدُلُّ على الوُجُوبِ؛ لأنَّ قَضاءَ السُّنَنِ مَشْرُوعٌ. فإن قيل: إنَّما جازَ تَرْكُه، ولم يُؤْمَرْ تارِكُه من النِّساءِ بِقَضائِه، لِتَرْكِهِنَّ إيَّاه قبلَ الشُّرُوعِ. قُلْنَا: فقد سَقَطَ الاحْتِجَاجُ؛ لِاتِّفَاقِنَا على أَنَّه لا يَلْزَمُ قَبْلَ شُرُوعِه فيه، فلم يَكُن القَضاءُ دَلِيلًا على الوُجُوبِ، مع الاتِّفاقِ على انْتِفائِه. ولا يَصِحُّ قِياسُه على الحَجِّ والعُمْرَةِ؛ لأنَّ الوُصُولَ إليهما لا


= فى: باب ضرب الخباء فى المساجد، من كتاب المساجد. المجتبى ٢/ ٣٥. وابن ماجه، فى: باب ما جاء فى من يبتدئ الاعتكاف وقضاء الاعتكاف، من كتاب الصِّيام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٦٣. والإِمام مالك، فى: باب قضاء الاعتكاف، من كتاب الاعتكاف. الموطأ ١/ ٣١٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٨٤، ٢٢٦.
(٧) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>