للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابِ والسُّنَّةِ، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تُوطَأُ الحَامِلُ (١٦) حتَّى تَضَعَ، ولَا غَيْرُ الْحَامِلِ حَتَّى تَحِيضَ" (١٧). وهذا لا يَدْرِى أهى حاملٌ أم لا. ما أسْمَجَ هذا! قيل له: إنَّ قَومًا يقولون هذا. فقال: قَبَّحَ اللهُ هذا، وقَبَّحَ مَنْ يَقُولُه. وفيما نَبَّه عليه أبُو عبدِ اللَّه من الأدِلَّةِ (١٨) كِفايةٌ مع ما ذكَرْنا فيما قبلَ هذا الفصلِ. إذا ثَبَتَ هذا، فليس له تَزْوِيجُها لغيرِه قبلَ اسْتِبْرَائِها، إذا لم يَعْتِقْها؛ لأنَّها ممَّن يجبُ اسْتِبْراؤُها، فلم يَجُزْ أن تتزوَّجَ، كالمُعْتَدَّةِ، وسَواءٌ في ذلك المُشْتَراةُ من رجُلٍ يَطَؤُها، أو من رَجُلٍ قد اسْتَبْرَأها ثُمَّ (١٩) لم يَطَأْها، أو ممَّن لا يُمْكِنُه الوَطْءُ، كالصَّبِىِّ والمرأةِ والمَجْبوبِ. وقال الشافعيُّ: إذا اشْتَراها ممَّن لا يَطَؤُها، فله تَزْوِيجُها، سَواءٌ أعْتَقَها أو لم يَعْتِقْها، وله أن يتزَوَّجَها إذا أعْتَقَها؛ لأنَّها ليستْ فِرَاشًا، وقد كان لِسَيِّدِها تَزْويجُها قبلَ بَيْعِها، فجاز ذلك بعدَ بَيْعِها، ولأنَّها لو عتَقتْ على البائعِ بإعْتاقِه أو غيرِه، لَجاز لكل أحدٍ نِكاحُها، فكذلك إذا أعْتَقَها المُشْترِى. ولَنا، عُمومُ قولهِ عليه السلام: "لا تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بحَيْضةٍ" (١٧). ولأنَّها أمَةٌ يَحْرُمُ عليه وَطْؤُها قبلَ اسْتِبْرائِها، فحَرُمَ عليه تَزْوِيجُها والتَّزَوُّجُ بها، كما لو كان بائِعُها يَطَؤُها. فأمَّا إن أعْتَقَها في هذه الصُّورةِ، فله تَزْوِيجُها لغيرِه؛ لأنَّها حُرّةٌ لم تكُنْ فِراشًا، فأُبِيحَ لها النِّكاحُ، كما لو أعْتَقَها البائعُ، وفارَقَ المَوْطوءةَ؛ فإنَّها فِراشٌ يجبُ عليها اسْتِبْراءُ نَفْسِها إذا عَتَقَتْ، فحَرُمَ عليها النكاحُ، كالمُعْتَدَّةِ، وفارَقَ ما إذا أراد سَيِّدُها نِكاحَها، فإنَّه لم يكُنْ له وَطْؤُها يمِلْكِ اليَمينِ، فلم يكُنْ له أن يتَزَوَّجَها، كالمُعْتَدَّةِ (٢٠)، ولأنَّ هذا يُتَّخَذُ حِيلةً على إبْطالِ الاسْتِبْراءِ، فمُنِعَ منه، بخلافِ تَزْوِيجِهَا لغيرِه.


(١٦) في ب: "حامل".
(١٧) تقدم تخريجه، في: ١/ ٤٤٤.
(١٨) في أ، م: "الأحاديث".
(١٩) في م: "ولم".
(٢٠) في ب زيادة: "لم يكن له وطؤها".

<<  <  ج: ص:  >  >>