للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِيعَتِ الأَرْضُ بِغِرَاسِها، ودُفِعَ إلى كلِّ واحدٍ منهما قَدْرُ حَقِّه، فيُقال: كم قِيمَةُ الأَرْضِ غيرَ مَغْرُوسَةٍ ولا مَبْنِيَّةٍ؟ فإذا قِيلَ عَشَرَة. قُلْنا: وكم تُسَاوِى مَغْرُوسَةً ومَبْنِيّةً؟ فإن قالوا: خَمْسَةَ عَشَرَ. قُلْنا: فَلِلْمُعِيرِ ثُلُثَا الثَّمَنِ، ولِلْمُسْتَعِيرِ ثُلُثُه. وإن امْتَنَعَا من (٤٩) البَيْعِ، بَقِيَا على حَالِهِما، ولِلْمُعِيرِ دُخُولُ أَرْضِه كيفَ شَاءَ، والانْتِفَاعُ بها بما لا يَضُرُّ الغِرَاسَ والبِنَاءَ، ولا يَنْتَفِعُ بهما، ليس لِصَاحِبِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ الدُّخُولُ إلَّا لِحَاجَةٍ، مثل السَّقْىِ وإصْلَاحِ الثَّمَرَةِ؛ لأنَّ الإِذْنَ في الغِرَاسِ إِذْنٌ فيما يَعُودُ بِصَلَاحِه، وأَخْذِ ثِمَارِه، وسَقْيِه. وليس له دُخُولُها لِلتَّفَرُّجِ؛ لأنَّه قد رَجَعَ في الإِذْنِ له. ولكلِّ واحدٍ منهما بَيْعُ ما يَخْتَصُّ به من المِلْكِ مُنْفَرِدًا، فيكونُ لِلْمُشْتَرِى مثلُ ما كان لِبَائِعِه. وقال بعضُ أصْحابِ الشّافِعِىِّ: ليس لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُ الشَّجَرِ؛ لأنَّ مِلْكَه فيه غيرُ مُسْتَقِرٍّ، بدَلِيلِ أنَّ لِلْمُعِيرِ أَخْذَهُ متى شَاءَ بقِيمَتِه. قُلْنا: عَدَمُ اسْتِقْرَارِه لا يَمْنَعُ بَيْعَهُ، بِدَلِيلِ الشِّقْصِ المَشْفُوعِ والصَّدَاقِ قبل الدُّخُولِ. وفى جَمِيعِ هذه المَسَائِلِ، متى كان المُعِيرُ شَرَطَ على المُسْتَعِيرِ القَلْعَ عند رُجُوعِه، ورَدّ العَارِيَّة غيرَ مَشْغُولَة، لَزِمَهُ ذلك؛ لأنَّ المسلِمين على شُرُوطِهِم، ولأنَّ العَارِيَّةَ مُقَيَّدَةٌ غيرُ مُطْلَقَةٍ، فلم تَتَنَاوَلْ ما عدا المُقَيَّدِ؛ لأنَّ المُسْتَعِيرَ دَخَلَ في العَارِيَّةِ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ الدّاخِلِ عليه بالقَلْعِ، وليس على صَاحِبِ الأَرْضِ ضَمَانُ نَقْصِه. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وأمَّا تَسْوِيَةُ الحُفَرِ الحاصِلَةِ بالقَلْعِ [فإذا كانتْ مَشْروطةً عليه، لَزِمَه؛ لما ذَكَرْنا، وإلَّا لم يَلْزَمْ؛ لأنَّه رَضِىَ بضَرَرِ القَلْعِ] (٥٠) من الحَفْرِ ونحوِه، حيثُ اشْتَرَط القَلْعَ. ولم يَذْكُرْ أصْحَابُنا على المُسْتَعِيرِ أجْرًا في شيءٍ من هذه المَسَائِل، إلَّا فيما إذا اسْتَعَارَ أرْضًا لِلزَّرْعِ، فزَرَعَها، ثم رَجَعَ المُعِيرُ فيها قبلَ كَمَالِ الزَّرْعِ، فإنَّ عليه أَجْرَ مِثْلِه، من حينَ رَجَعَ المُعِيرُ؛ لأنَّ الأَصْلَ جَوَازُ الرُّجُوعِ، وإنَّما مُنِعَ من القَلْعِ لما فيه من الضَّرَرِ، ففى دَفْعِ الأَجْرِ جَمْعٌ بينَ الحَقَّيْنِ، فيُخَرَّجُ في سائِرِ المسائِلِ مثلُ هذا، لوُجُودِ هذا المَعْنَى فيه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ الأَجْرُ في شيءٍ


(٤٩) في ب، م: "عن".
(٥٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>