للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلِلسَّيِّدِ القِصَاصُ؛ لأنَّه حَقٌّ له، وإنَّما يَثْبُتُ لِيُسْتَوْفَى، فإن اقْتَصَّ، أُخِذَتْ منه قِيمَةُ أقَلِّهِما قِيمَةً، فجُعِلَتْ مكانَه رَهْنًا. نَصَّ عليه أحْمَدُ، فى رِوَايَةِ ابن منصورٍ، وهو (٢) قولُ إسْحاقَ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَجِبَ عليه شىءٌ. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه لم يَجِبْ بالجِنَايَةِ مالٌ، ولا اسْتُحِقَّ بحالٍ، وليس على الرَّاهِنِ أن يَسْعَى لِلْمُرْتَهِنِ فى اكْتِسَابِ مالٍ. ولَنا، أنَّه أتْلَفَ مالًا اسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إتْلَافِ الرَّهْنِ، فغَرِمَ قِيمَتَه، كما لو كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً للمالِ، وهكذا الحُكْمُ فيما إذا ثَبَتَ القِصَاصُ لِلسَّيِّدِ فى عَبْدِه المَرْهُونِ، وإنَّما أَوْجَبْنَا أقَلَّ القِيمَتَينِ، لأنَّ حَقَّ المُرْتَهِنِ إنَّما يَتَعَلَّقُ بالمالِيَّةِ، والواجِبُ من المالِ هو أقَلُّ القِيمَتَيْنِ، لأنَّ الرَّهْنَ إن كان أقَلَّ لم يَجِبْ أَكْثَرُ من قِيمَتِه، وإن كان الجانِى أقَلَّ لم يَجِبْ أكثَرُ من قِيمَتِه، وإن عَفَا على مالٍ صَحَّ عَفْوُه، وَوَجَبَ أقَلُّ القِيمَتَيْنِ، لما ذَكَرْنَا. هذا إذا كان القِصَاصُ قَتْلًا، وإن كان جُرْحًا أو قَلْعَ سِنٍّ ونحوَه، فالوَاجِبُ بالعَفْوِ أقَلُّ الأمْرَيْنِ؛ من أَرْشِ الجُرْحِ، أو قِيمَةِ الجانِى. وإن عَفَا مُطْلَقًا، أو على غيرِ مالٍ، انْبَنَى ذلك على مُوجِبِ العَمْدِ ما هو؟ فإنَّ قُلْنا: مُوجِبُه أحَدُ شَيْئَيْنِ. ثَبَتَ المالُ. وإن قُلْنا: مُوجِبُه القِصَاصُ عَيْنًا، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو اقْتَصَّ؛ إن قُلْنا ثَمَّ: يَجِبُ قِيمَتُه على الرَّاهِنِ. وَجَبَ هاهُنا. وهو اخْتِيَارُ أبي الخَطَّابِ؛ لأنَّه فَوَّتَ بَدَلَ الرَّهْنِ بِفِعْلِه، أشْبَهَ ما لو اقْتَصَّ. وإن قُلْنا: لا يَجِبُ على الرَّاهِنِ شىءٌ ثَمَّ. لم يَجِبْ هاهُنا شَىءٌ. وهو قول القاضى، ومذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه اكْتِسَابُ مالٍ، فلا يُجْبَرُ عليه. وأمَّا إن كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً للمالِ، أو ثَبَتَ المالُ بالعَفْوِ عن الجِنَايَةِ المُوجِبَةِ للقِصَاصِ، فإنَّه يَتَعَلَّقُ به حَقُّ الرَّاهِنِ والمُرْتَهِنِ، ويكون من غالِبِ نَقْدِ البَلَدِ، كقِيَمِ المُتْلَفَاتِ، فلو أَرَادَ الرَّاهِنُ أن يُصَالِحَ عنها، أو يَأْخُذَ حَيَوَانًا عنها، لم يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ المُرْتَهِنِ، فإنْ أَذِنَ فيه جَازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما لا (٣) يخرجُ عنهما، وما قَبَضَ مِن شَىءٍ فهو رَهْنٌ، بَدَلًا عن الأَوَّلِ، نَائِبًا عنه،


(٢) فى م: "وهذا".
(٣) فى م: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>