للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْعُ به مُطْلَقًا، لم يَعْتِقْ إِلَّا بالْأَداءِ، كالمُكَاتَبِ. وللشَّافِعِىِّ قَوْل ثالِثٌ، أَنَّ العِتْقَ مُراعًى، فإن دَفعَ القِيمَةَ تَبَيَّنَّا أنَّه كان عَتَقَ من حِينَ أعْتَقَ نصيبَه، وإن لم يَدْفَعِ القِيمَةَ تَبَيَّنَّا أنَّه لم يكُنْ عَتَقَ؛ لِأَنَّ فيه احْتياطًا لهما جميعًا. ولَنا، حديثُ ابنِ عمرَ، رُوِىَ بألفاظٍ مختَلِفَةٍ، تَجْتَمِعُ فى الدِّلالَةِ على الحُرِّيَّةِ باللَّفْظِ، فمنها، لَفْظٌ رواهُ أيُّوبُ، عن نافِع، عن ابنِ عمرَ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَا (٥) يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ العَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ". رواهُ [البُخَارِىُّ] (٦)، وأبو دَاوُدَ، والنَّسَائِىُّ، وفى لفظٍ رَواهُ ابنُ أبى مُلَيْكَةَ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ: "فَكَانَ لَهُ مَالٌ، فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ". وفى رِوايَةِ ابنِ أبى ذِئْبٍ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ: "وَكَانَ لِلَّذِى يُعْتِقُ ما يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فهُوَ يَعْتِقُ كُلُّهُ". ورَوَى أبو داود (٧)، بإسنادِه، عن أبى هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَعْتَقَ شِقصًا فى (٨) مَمْلُوكٍ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ". وهذه نُصوصٌ فى مَحَلِّ (٩) النِّزاعِ، فإنَّه جَعَلَهُ حُرًّا وعَتِيقًا بإعْتاقِه، مَشْروطًا بكَوْنِه مُوسِرًا. ولِأَنَّهُ عِتْقٌ بالسِّرايَةِ، فكانتْ حاصِلَةً عَقِيبَ لَفْظِه، كما لَوْ أَعتَقَ [جُزْءًا من عَبْدِه] (١٠) أَنَّ القِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ الإِعْتاقِ، ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الشَّرِيكِ فيه بغيرِ الإِعتاقِ. وعند الشَّافِعِىِّ، لا ينْفُذُ بالإِعتاقِ أَيضًا، فدَلَّ على أَنَّ العِتْقَ حصَلَ فيه بالإِعتاقِ الأَوَّلِ. فأمَّا حديثُهم، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ فإنّ "الواو" لا تَقْتضِى تَرْتِيبًا، وأمَّا العَطْفُ بـ "ثُمَّ" فى اللَّفْظِ الآخَرِ، لم يُرِدْ بها التَّرْتِيبَ، فإنَّها قد ترِدُ لِغَيْر التَّرتيبِ، كقولِهِ تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} (١١). وأمَّا العِوَضُ، فإنَّما وجَبَ


(٥) فى أ: "مال".
(٦) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٧) فى: باب من ذكر السعاية فى هذا الحديث، من كتاب العتق. سنن أبى داود ٢/ ٣٤٩.
كما أخرجه البخارى، فى: باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، من كتاب الشركة، وفى: باب إذا أعتق نصيبا فى عبد وليس له مال. . . من كتاب العتق. صحيح البخارى ٣/ ١٨٢، ١٩٠. ومسلم، فى: باب من أعتق شركا له فى عبد، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم ٣/ ١٢٨٧. والترمذى، فى: باب ما جاء فى العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ٩٤. وابن ماجه، فى: باب من أعتق شركا له فى عبد، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٤٤.
(٨) فى أ، ب: "من".
(٩) سقط من: الأصل.
(١٠) فى م: "حرا من عبيده".
(١١) سورة يونس ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>