للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه. وإن ضَمَّنَ الثاني مع عِلْمِه بالحالِ، لم يَرْجِعْ على الأَوَّلِ. وإن لم يَعْلَمْ، فهل يَرْجِعُ على الأَوَّلِ؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحدِهما، يَرْجِعُ عليه؛ لأنَّه غَرَّهُ، فأشْبَه ما لو غَرَّهُ بِحُرِّيَةِ أَمَةٍ. والثانى: لا يَرْجِعُ؛ لأنَّ التَّلَفَ كان في يَدِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه. وإن رَبِحَ في المالِ، فالرِّبْحُ لمالِكِه، ولا شىءَ لِلْمُضارِبِ الأَوَّلِ؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه مالٌ ولا عَمَلٌ. وهل للثانى أَجْرُ مِثْلِه؟ على رِوَايَتَينِ؛ إحداهما، له ذلك؛ لأنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه بعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فكان له أجْرُ مِثْلِه، كالمُضَارَبةِ الفاسِدَةِ. والثانية، لا شىءَ له؛ لأنَّه عَمِلَ في مالِ غيرِه بغيرِ إِذْنِه، فلم يَسْتَحِقَّ لذلك عِوَضًا، كالغاصِبِ. وفارَقَ المُضَارَبَةَ؛ لأنَّه عَمِلَ في مالِه بإِذْنِه. وسواءٌ اشْتَرَى بِعَيْنِ المالِ أو في الذِّمَّةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إذا اشْتَرَى في الذِّمَّة يكونُ الرِّبْحُ له، لأنَّه رَبِحَ فيما اشْتَراهُ في ذِمَّتِه ممَّا لم يَقَعْ (٣٩) الشِّرَاءُ فيه لغيرِه، فأشْبَهَ ما لو لم يَنْقُدِ الثَّمَنَ من مالِ رَبِّ المالِ. قال الشَّرِيفُ أبو جعفرٍ: هذا قولُ أكْثَرِهِم. يعني قولَ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبى حنيفةَ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن كان عَالِمًا بالحالِ، فلا شىءَ لِلْعَامِلِ، كالغَاصِبِ، وإن جَهِلَ الحالَ، فله أجْرُ مثلِه، يَرْجِعُ به على المُضَارِبِ الأَوَّلِ؛ لأنَّه غَرَّهُ، واسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لم يَحْصُلْ له، فوَجَبَ أجْرُه عليه، كما لو اسْتَعْمَلَهُ في مالِ نَفْسِه. وقال القاضي: إن اشْتَرَى بعَيْنِ المالِ، فالشِّراءُ باطِلٌ. وإن كان اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، ثم نَقَدَ المالَ، وكان قد شَرَطَ رَبُّ المالِ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفَ، فدَفَعَهُ المُضَارِبُ إلى آخَرَ، على أن يكونَ لِرَبِّ المالِ النِّصْفُ، والنِّصْفُ الآخَرُ بينهما؛ فهو على ما اتَّفَقُوا عليه؛ لأنَّ رَبَّ المالِ رَضِىَ بنِصْفِ (٤٠) الرِّبْحِ، فلا يَدْفَعُ إليه أكْثَرَ منه، والعامِلَانِ على ما اتَّفَقَا عليه. وهذا قولٌ قَدِيمٌ للشَّافِعِىِّ. وليس هذا مُوَافِقًا لأُصُولِ المَذْهَبِ، ولا لِنَصِّ أحمدَ، فَإنَّ أحمدَ قال: لا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ. ولأنَّ المُضارِبَ الأَوَّل ليس له عَمَلٌ ولا مالٌ، ولا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ في المُضَارَبةِ إلَّا بواحِدٍ منهما، والعامِلُ الثانِى عَمِلَ في مالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه ولا شَرْطِه، فلم يَسْتَحِقّ ما شَرَطَهُ (٤١) له غيرُه، كما لو دَفَعَهُ إليه الغاصِبُ


(٣٩) في أ، ب، م زيادة: "في".
(٤٠) في الأصل: "بالنصف من".
(٤١) في الأصل: "شرط".

<<  <  ج: ص:  >  >>