للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِيجابِ والقَبُولِ والقَبْضِ، أو ما يَقُومُ مَقَامَ ذلك عندَ من اعْتَبَرَهُ. وصُورَةُ العُمْرَى أن يقولَ الرَّجُلُ: أعْمَرْتُكَ دارِى هذه، أو هي لك عُمُرِى، أو ما عِشْتُ، أو مُدَّةَ حَيَاتِكَ، أو ما حَيِيتَ، أو نحو هذا. سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِها بالعُمْرِ. والرُّقْبَى: أن يقولَ: أرْقَبْتُكَ هذه الدَّارَ، أو هي لك حَيَاتَكَ، على أنَّك إن مِتَّ قبلى عادَتْ إليَّ، وإن مِتُّ قبلك فهى لك ولِعَقِبِكَ. فكأنَّه يقولُ: هي لآخِرِنَا مَوْتًا. وبذلك سُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَرْقُبُ مَوْتَ صاحِبه. وكلاهما جائِزٌ، في قولِ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ، وحُكِىَ عن بعضهم أنَّها لا تَصِحُّ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُعْمِرُوا ولا تُرْقِبُوا" (١). ولَنا، ما رَوَى جابِرٌ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العُمْرَى جائِزَةٌ لأَهْلِهَا، والرُّقْبَى جائِزَةٌ لأَهْلِها". رَوَاه أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ (٢). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. فأمَّا النَّهْىُ، فإنَّما وَرَدَ على سَبِيلِ الإِعْلامِ لهم إنَّكم إن أعْمَرْتُمْ أو أَرْقَبْتُم يَعُدْ لِلْمُعْمَرِ والمُرْقَبِ، ولم يَعُدْ إليكم منه شيءٌ. وسِياقُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عليه، فإنَّه (٣) قال: "فَمَنْ أعْمَرَ عُمْرَى، فَهِىَ لِمَنْ أُعْمِرَها حَيًّا ومَيِّتًا وعَقِبِهِ". ولو أُرِيدَ به حَقِيقَةُ النَّهْىِ، لم يَمْنَعْ ذلك صِحَّتَها؛ فإنَّ النَّهْىَ إنَّما يَمْنَعُ صِحَّةَ ما يُفِيدُ المَنْهِى عنه فائِدَةً، أمَّا إذا كان صِحَّةُ المَنْهِىِّ عنه ضَرَرًا على مُرْتَكِبِه، لم يَمْنَعْ صِحَّتَه، كالطَّلَاقِ في زَمَنِ الحَيْضِ، وصِحَّةُ العُمْرَى ضَرَرٌ على المُعْمِرِ، [فإنَّ مِلْكَه يَزُولُ] (٤) بغير عِوَضٍ. إذا


(١) أخرجه أبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٤. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين. . ., من كتاب العمرى. المجتبى ٦/ ٢٣٠. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٣٤، ٧٣.
(٢) أخرجه أبو داود، في: باب في الرقبى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٣٦٥. والترمذي، في: باب ما جاء في الرقبى، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ١٠١ والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر في العمرى، من كتاب العمرى. المجتبى ٦/ ٢٣٢، وابن ماجه، في: باب الرقبى، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٢٩٧، ٣٠٣.
(٣) في م: "فإن".
(٤) في الأصل: "فإنه يزول ملكه".

<<  <  ج: ص:  >  >>