للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَوَى أيضًا حَدِيثًا عن عبد المَلِكِ بن عُبَيْدَةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ اسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ، ثُمَّ كَانَ الْمُشْتَرِى بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أخَذَ، وَإنْ شَاءَ تَرَكَ" (٨). وهذا ظاهِرٌ فى أنَّه يَفْسَخُ مِن غيرِ حاكِمٍ؛ لأنّه جَعَلَ الخِيارَ إليه، فأشْبَهَ مَن له خِيارُ الشَّرْطِ، أو الرَّدَّ بالعَيْبِ. ولأنّه فَسْخٌ لاسْتِدْراكِ الظُّلامَةِ، فأشْبَهَ الرَّدَّ بِالعَيْبِ، ولا يُشْبِهُ النِّكاحَ؛ لأنَّ لكُلِّ واحدٍ مِن الزَّوْجَيْنِ الاسْتِقْلالَ بالطَّلاقِ. وإذا فُسِخَ العَقدُ، فقال القاضى: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنّ الفَسْخَ يَنْفُذُ (٩) ظاهِرًا وباطِنًا؛ لأنّه فَسْخٌ لاسْتِدْراكِ الظُّلامَةِ، فهو كالرَّدِّ بِالعَيْبِ، أو فَسْخُ عَقْدٍ بالتَّحالُفِ (١٠)، فوَقَعَ فى الظَّاهِرِ والباطِنِ، كالفَسْخِ باللِّعانِ. وقال أبو الخَطَّابِ: إنْ كان البائِعُ ظَالِمًا، لم يَنْفَسِخِ (١١) العَقْدُ فى الباطِنِ؛ لأنّه كان يُمْكِنُه إمضاءُ العَقْدِ، واسْتِيفاءُ حَقِّه، فلا يَنْفَسِخُ العَقْدُ فى الباطِنِ، ولا يُباحُ له التَّصَرُّف فى المَبِيعِ؛ لأنّه غاصِبٌ، فإنْ كان المُشْتَرِى ظالِمًا، انْفَسَخَ البَيْعُ ظَاهِرًا وباطِنًا؛ لعَجْزِ البائِعِ عن اسْتِيفاءِ حَقِّه، فكان له الفَسْخُ، كما لو أفْلَسَ المُشْتَرِى. ولأصحابِ الشَّافِعىِّ وَجْهانِ كهذَيْنِ. ولهم وَجْهٌ ثالثٌ؛ أنّه لا يَنْفَسِخُ فى الباطِنِ بحالٍ. وهذا فاسِدٌ؛ لأنّه لو عُلِمَ أنَّه لم يَنْفَسِخْ فى الباطِنِ بحالٍ، لَمَا أمْكَنَ فَسْخُه فى الظّاهِرِ، فإنّه لا يُباحُ لكُلِّ واحِدٍ مِنهما التَّصَرُّفُ فيما رَجَعَ إليه بِالفَسْخِ، ومتى عُلِمَ أنَّ ذلك مُحَرَّمٌ مُنِعَ مِنه. ولأنّ الشّارِعَ جَعَلَ للمَظْلُومِ مِنهما الفَسْخَ ظاهِرًا وباطِنًا، فَانْفَسَخَ


= وهو أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود المسعودى الكوفى القاضى. روى عن أبيه، وعن جده مرسلا، وعن ابن عمر، وجابر بن سمرة، وغيرهم. مات سنة عشرين ومائة. تهذيب التهذيب ٨/ ٣٢١، ٣٢٢.
(٨) وأخرجه النسائى، فى: باب اختلاف المتبايعين فى الثمن، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٦٦. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٤٦٦. والبيهقى، فى: باب اختلاف المتبايعين، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٣٣٣. والدارقطنى، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطى ٣/ ١٨، ١٩.
(٩) فى الأصل: "ينعقد".
(١٠) فى الأصل: "التحالف".
(١١) فى م: "يفسخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>